حوار مع محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني السابق، حول حرب الأيام الاثني عشر، العقوبات الغربية، وسبل الحوار النووي.

أجراها: راوي أغراوال- من مجلة الشؤون الخارجیة الأمیرکیة

 على مدار العقد الماضي، كان محمد جواد ظريف أبرز شخصية في الدبلوماسية الإيرانية. خلال فترة توليه وزارة الخارجية بين عامي 2013 و2021، قاد مفاوضات الاتفاق المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (برجام)، والذي يُعرف على نطاق واسع بالاتفاق النووي الإيراني. كان ظريف يمثل تيارًا في طهران يرى أن الدبلوماسية مع الغرب تحمل منافع لإيران. لكن اليوم، انهار الاتفاق النووي، وتعرضت إيران خلال الحرب التي استمرت 12 يومًا في شهر يونيو لهجمات مهينة من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، كما تلقت الجماعات الحليفة مثل حماس وحزب الله ضربات قاسية. فما الذي حققته طهران من سياستها الخارجية حتى الآن؟

راوي أغراوال: دعنا نبدأ بما أصبح يُعرف باسم “حرب الأيام الاثني عشر” في يونيو. لمراجعة ما حدث: شنّت إسرائيل سلسلة من الهجمات ضد منشآت عسكرية ونووية إيرانية، ما أدى إلى مقتل عدد من كبار القادة العسكريين والعلماء النوويين. ثم تدخلت الولايات المتحدة وقصفت ثلاثة مواقع نووية. كانت ردّة فعل طهران محدودة للغاية. أنت لم تكن في الحكومة وقت وقوع هذه الأحداث، لكنك بطبيعة الحال تملك علاقات واسعة في السياسة الإيرانية. من وجهة نظري، كانت حرب الأيام الاثني عشر ضربة قاسية جدًا لإيران. هل توافق على ذلك؟

محمد جواد ظريف: حرب الأيام الاثني عشر وقعت تمامًا قبل يومين من موعد ذهاب أصدقائي في وزارة الخارجية إلى جولة جديدة من المفاوضات مع نظرائهم الأمريكيين. هذا الوضع خلق في إيران انطباعًا بأن الولايات المتحدة تستخدم المفاوضات كذريعة للهجوم، وهو أمر مؤذٍ للغاية. ومن وجهة نظري – وأنا مؤمن بالدبلوماسية – فإن ما حدث شكّل ضررًا بالغًا للدبلوماسية بشكل عام.

راوي أغراوال: دعنا نبدأ بما أصبح يُعرف باسم “حرب الأيام الاثني عشر” في يونيو. لمراجعة ما حدث: شنّت إسرائيل سلسلة من الهجمات ضد منشآت عسكرية ونووية إيرانية، ما أدى إلى مقتل عدد من كبار القادة العسكريين والعلماء النوويين. ثم تدخلت الولايات المتحدة وقصفت ثلاثة مواقع نووية. كانت ردّة فعل طهران محدودة للغاية.
أنت لم تكن في الحكومة وقت وقوع هذه الأحداث، لكنك بطبيعة الحال تملك علاقات واسعة في السياسة الإيرانية. من وجهة نظري، كانت حرب الأيام الاثني عشر ضربة قاسية جدًا لإيران. هل توافق على ذلك؟

محمد جواد ظريف: حرب الأيام الاثني عشر وقعت تمامًا قبل يومين من موعد ذهاب أصدقائي في وزارة الخارجية إلى جولة جديدة من المفاوضات مع نظرائهم الأمريكيين. هذا الوضع خلق في إيران انطباعًا بأن الولايات المتحدة تستخدم المفاوضات كذريعة للهجوم، وهو أمر مؤذٍ للغاية.
ومن وجهة نظري – وأنا مؤمن بالدبلوماسية – فإن ما حدث شكّل ضررًا بالغًا للدبلوماسية بشكل عام.

على مدار العقد الماضي، كان محمد جواد ظريف أبرز شخصية في الدبلوماسية الإيرانية. خلال فترة توليه وزارة الخارجية بين عامي 2013 و2021، قاد مفاوضات الاتفاق المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (برجام)، والذي يُعرف على نطاق واسع بالاتفاق النووي الإيراني.
كان ظريف يمثل تيارًا في طهران يرى أن الدبلوماسية مع الغرب تحمل منافع لإيران.
لكن اليوم، انهار الاتفاق النووي، وتعرضت إيران خلال الحرب التي استمرت 12 يومًا في شهر يونيو لهجمات مهينة من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، كما تلقت الجماعات الحليفة مثل حماس وحزب الله ضربات قاسية.
فما الذي حققته طهران من سياستها الخارجية حتى الآن؟

ثانيًا، كان هذا هجومًا مخططًا مسبقًا، ليس فقط ضد الأهداف العسكرية والنووية، بل أيضًا ضد المدنيين الأبرياء. لقد قُتل عدد كبير من المدنيين الأبرياء. استُهدف القادة العسكريون ليس في مكاتبهم أو في جبهات القتال، بل في منازلهم، وهم نائمون بجانب أطفالهم وزوجاتهم. وبحسب معرفتي بالقانون الدولي، فإن هذا الفعل يُعد جريمة حرب. لقد تم اغتيال العلماء النوويين وغيرهم من العلماء لمجرد كونهم علماء. إن قتل هؤلاء الأشخاص يشكل سابقة بالغة الخطورة.

راوي أغراوال: مع الاحترام، هذا لا يجيب على سؤالي. إلى أي مدى أضرّ هذا الحدث بإيران؟

محمد جواد ظريف: لقد تضررت إيران. كان هذا عدوانًا، وكما هو الحال مع كل عدوان، فإن الضحية تتأذى. لكن أسطورة “إسرائيل التي لا تُهزم” تحطمت أيضًا. إيران تتعرض للعقوبات منذ أربعين عامًا؛ لا أحد يبيع لها معدات عسكرية. ومع ذلك، تمكنت إيران من اختراق ما يسميه الإسرائيليون “القبة الحديدية”، واستهدفت الأهداف العسكرية الإسرائيلية باستخدام صواريخها وطائراتها المسيّرة وصواريخ كروز من داخل الأراضي الإيرانية. نعم، لقد تضررنا، لكننا أثبتنا نقطة مهمة يجب أن يفهمها الجميع: إيران ليست فريسة سهلة. إسرائيل والولايات المتحدة، وهما قوتان تمتلكان أسلحة نووية، تعاونتا في الهجوم على إيران، لكن في نهاية المطاف، وقفت إيران شامخة. وهذا إنجاز كبير للغاية.

راوي أغراوال: فسّر لي كيف تقول إن إيران “وقفت شامخة” بينما تعرضت منشآتها النووية لأضرار جسيمة – بل بحسب البيت الأبيض، تم تدميرها. الدفاع الجوي الإيراني خرج فعليًا من الخدمة. وقُتل عدد كبير من الكوادر النووية والعسكرية والسياسية.

محمد جواد ظريف: من الواضح أننا كنا ضحية لهجوم غير مبرر، وكان في جوهره هجومًا مباغتًا. نعم، تضررنا، لكن هذه ليست النقطة الأساسية. النقطة هي أننا ردينا. أثبتنا أنه لا يمكن استهدافنا دون ثمن، وأن المعتدي سيواجه تبعات أفعاله. حتى الولايات المتحدة اقتنعت بأن إيران لن تظل صامتة. الرئيس [دونالد] ترامب نفسه أشار إلى أنهم أدركوا أن إيران سترد. ولهذا السبب، أخلوا جميع القواعد العسكرية في جوارنا. هذه نقطة مهمة للمستقبل: التعامل مع إيران بهذه الطريقة لن يحل مشكلتكم، ولن يحل مشكلة أمريكا، ولن يحل مشكلة أي طرف.

راوي أغراوال: هناك أمر لا أفهمه حقًا. الجميع يعلم أن إيران تقدم دعمًا ماليًا لجماعات مثل حماس، حزب الله، والحوثيين. وفي الوقت نفسه، ومع الاحترام، فإن الاقتصاد الإيراني يزداد سوءًا. حوالي 60% من السكان في سن العمل عاطلون عن العمل؛ التضخم يبلغ 35%؛ الناتج المحلي الإجمالي للفرد انخفض إلى نصف ما كان عليه في عام 2012. إيران كانت يومًا ما إمبراطورية عظيمة؛ أما اليوم، فاقتصادها أصغر من اقتصاد بنغلاديش أو تشيلي. كيف تتوافق هذه السياسات مع المصالح الاستراتيجية لطهران؟ وضّح لي ما الذي تجنيه إيران من استمرار المواجهة مع إسرائيل أو من التصور بأنها تسعى لامتلاك قنبلة نووية، وهو ما أدى إلى هذا الرد الغربي؟

محمد جواد ظريف: نحن نواجه عملية “أمننة” تقودها إسرائيل، وخاصة نتنياهو، منذ تسعينيات القرن الماضي ضد إيران. إذا استمعت إلى تصريحات نتنياهو في منتصف التسعينات، كان يقول إن إيران على بعد ستة أشهر من امتلاك القنبلة النووية. الآن، بعد حوالي ثلاثين عامًا، ما زلنا – على الأقل قبل القصف – على بعد عدة أشهر منها. لذا، إيران لا تسعى لامتلاك القنبلة النووية. هذا مجرد ضجيج إعلامي. لسنا مسؤولين عن الرواية التي تحاول إسرائيل فرضها.

دعني أقول شيئًا أعتقد أنه مهم: السلام يُشكل تهديدًا لوجود إسرائيل. ولهذا السبب عارضت الاتفاق النووي (برجام). الاتفاق الذي كنت على رأس فريق التفاوض فيه، كان يضمن بشكل قاطع وقابل للتحقق أن إيران لن تنتج قنبلة نووية. لماذا عارضته إسرائيل؟ لأنه كان سيجلب الهدوء إلى جوارنا.

أما بالنسبة للجماعات التي تقاتل إسرائيل، فلا ننسى أنهم يقاتلون ضد الاحتلال، ضد الاستبداد، ضد الإبادة الجماعية، وضد الجوع الواسع النطاق. إنهم لا يقاتلون من أجل إيران. يمكنني القول إنه خلال الأربعين عامًا الماضية من عملي كدبلوماسي، لم أرَ طلقة واحدة أُطلقت من قبل هذه الجماعات لخدمة مصالح إيران. إنهم يقاتلون من أجل حياتهم وبيوتهم.

راوي أغراوال: كل ما قلته عن إسرائيل أتركه للإسرائيليين أنفسهم ليدافعوا عنه. لكن دعنا نفترض أن ما تقوله صحيح، وأن إيران لا تريد تصنيع قنبلة نووية، وإن أرادت، فهي قادرة على ذلك. ومع ذلك، بعد السابع من أكتوبر [حين هاجمت حماس إسرائيل عام 2023]، أصبح التصور بأن إيران تموّل الجماعات الوكيلة ضارًا لها. ما الذي تجنيه إيران من ذلك؟ لأن النتيجة، كما اعترفت بنفسك اليوم، كانت أن اقتصاد إيران تضرر، وأنها أصبحت هدفًا لهجمات من الولايات المتحدة وإسرائيل.

محمد جواد ظريف: هل نحن من تسبب بذلك؟ أنت تعكس العلاقة بين السبب والنتيجة. السبب في كل هذا هو الاحتلال. السبب هو نظام الفصل العنصري. السبب هو الإبادة الجماعية في فلسطين. نحن لم نبدأ هذا. حماس لم تتلقَ أوامر من طهران للهجوم أو للدفاع عن نفسها. ما حدث كان عملية متبادلة مستمرة منذ السابع من أكتوبر حتى الآن.

أنت تقول إن اقتصاد إيران تضرر. الولايات المتحدة وإيران منخرطتان في لعبة صفرية، وفي مثل هذه اللعبة، الجميع يتضرر. الولايات المتحدة، عبر سياسة الضغط الأقصى التي انتهجها ترامب، ألحقت ضررًا كبيرًا بالاقتصاد الإيراني. لكن هل كان هدفهم إلحاق الضرر بالاقتصاد الإيراني؟ إذا كان الهدف هو الحد من القدرات النووية الإيرانية، فيجب القول إن هذه القدرات تضاعفت عشر مرات منذ بداية ولاية ترامب حتى اليوم. نعم، تضررنا في مسار النمو والتطور، لكن الولايات المتحدة أيضًا تضررت.

لقد قضيت أيامًا وشهورًا في التفاوض مع جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، في فيينا للوصول إلى الاتفاق النووي. نحن لم ننتهك ذلك الاتفاق. طرف آخر هو من انتهكه، فلا ينبغي تحميلنا مسؤولية فقدان الثقة الناتج عن أفعال الآخرين.

راوي أغراوال: لست هنا للدفاع عن الحكومة الأمريكية أو الإسرائيلية. كمحلل، لقد انتقدت انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي.

لكن مرة أخرى، في جوهر المسألة، لماذا يجب أن يكون الموقف الحالي لإيران متوافقًا مع مصالحها الاستراتيجية؟ لنفترض أن كل ما قلته عن الإبادة الجماعية في إسرائيل صحيح. لماذا يجب أن يعاني الشعب الإيراني؟ لأنني لا أرى شعوب السعودية أو تركيا أو مصر أو العراق تعاني. قد نختلف حول مسألة تصنيع القنبلة أو دعم الجماعات، لكن هذا التصور يضر بإيران في النهاية. لذا يبقى السؤال: لماذا لا تغيّر إيران هذا التصور؟

محمد جواد ظريف: لقد كتبت في مجلتكم عن مستقبل مختلف ونموذج جديد، لذا أنا أؤمن تمامًا بإمكانية مستقبل مغاير. لكن دعنا نتحدث عن الماضي. من بدأ هذا؟ من دمّر الاتفاق النووي؟ لقد تفاوضنا بحسن نية. بذلنا وقتًا وجهدًا كبيرين. بنيامين نتنياهو كتب بنفسه أن مهمته في الحياة هي تدمير الاتفاق الذي رحّبت به الأسرة الدولية. وقد نجح الآن في بيع كذبة للمجتمع الدولي.

في عام 1990، عندما قررت إسرائيل بدء ما يسمى بعملية السلام مع العالم العربي – وهي لم تكن تنوي السلام أصلًا – غيّرت عدوها. أصبح العدو هو إيران. قبل ذلك، كان العدو هو الفلسطينيون، “الإرهابيون”، والعرب. ثم فجأة، ظهر “التهديد الإيراني”. حتى القصص التوراتية تغيّرت، من كوروش إلى إستير ومردخاي وعيد الفوريم، وأُعيد تقديمها كرموز تاريخية معادية لإيران.

لماذا يُسمح لشخص واحد أن يكذب على الشعب الأمريكي والمجتمع الدولي، ويُلحق الضرر بالولايات المتحدة والعالم فقط من أجل بقائه السياسي؟ نتنياهو يفعل ذلك فقط من أجل بقائه. بقاؤه يعتمد على صناعة الأزمات. ولهذا، بعد حرب الأيام الاثني عشر، بدأ حربًا ضد سوريا. وبعدها مباشرة، بدأ احتلال غزة بالكامل. لقد رفض حتى الآن كل مبادرة سلام.

راوي أغراوال: دعنا ننتقل إلى الموضوع التالي. الدول الأوروبية الثلاث المعروفة باسم “الترويكا” (بريطانيا، فرنسا، وألمانيا) تناقش إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران، فيما يُعرف بـ”آلية الزناد” أو “Snapback”. هل يمكن أن تكون هذه لحظة يستعيد فيها الإصلاحيون في إيران السلطة؟ وهل من الممكن أن يكون الإيرانيون مستعدين مرة أخرى للتفاوض مع الولايات المتحدة بشأن اتفاق نووي جديد؟

محمد جواد ظريف: لا ينبغي الخلط بين السياسة الداخلية والخارجية. ما تحاول الترويكا الأوروبية فعله يفتقر أولًا إلى الأساس القانوني، لأن إيران التزمت بالاتفاق النووي بالكامل حتى بعد مرور عام على انسحاب ترامب منه. أوروبا فشلت في تنفيذ التزاماتها. بعد انسحاب ترامب، طلب الأوروبيون منا ألا نتوقف. وفي اجتماعين في يونيو وسبتمبر 2018، قدموا لي شخصيًا 11 تعهدًا. لكنهم لم ينفذوا أيًا منها. قرروا إنشاء آلية مقايضة بدائية تعود للقرن التاسع عشر، ولم يتمكنوا حتى من تشغيلها.

محمد جواد ظريف: لا أفهم بأي جرأة يريدون الآن استخدام آلية تسوية النزاعات. في الاتفاق النووي أو في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لا يوجد شيء يُسمى “آلية الزناد”؛ الاسم الصحيح هو “آلية تسوية النزاعات”. إيران، خلال فترة تولّي منصب وزير الخارجية، استخدمت هذه الآلية مرارًا. لقد خضنا العملية كاملة. الأوروبيون وعدوا بتنفيذ جزء من التزاماتهم، ناهيك عن التزامات الولايات المتحدة، لكنهم فشلوا. ولهذا السبب، قمنا باتخاذ إجراءات تعويضية. ومن الناحية القانونية، لا يحق لهم الرد بإجراءات تعويضية على إجراءات تعويضية هم أنفسهم تسببوا بها.

وتوقيت هذا الأمر مثير للاهتمام أيضًا، لأنهم قبل بضعة أسابيع – كما كتبت في مجلة “فورين بوليسي” – أشادوا فعليًا بهجمات إسرائيل على المواقع الإيرانية، رغم أنها تمثل انتهاكًا للقانون الدولي. على سبيل المثال، قال المستشار الألماني إن إسرائيل “تقوم بالعمل القذر نيابةً عن الجميع”. إذًا، ما هو المسار؟ أولًا الحرب، ثم الدبلوماسية، ثم آلية تسوية النزاعات؟ هذا يدل على سوء النية.

وإذا ابتعدنا عن الجانب القانوني، فما الفائدة التي سيجنونها من ذلك؟ ماذا جنى ترامب من انسحابه من الاتفاق النووي؟ هل نعيش اليوم في عالم أكثر أمنًا؟ هل ستدخل أوروبا عالمًا أكثر أمنًا باستخدام هذه الآلية في ظل سوء النية؟ ما الذي يسعون إليه؟ إنهم يريدون دعم إسرائيل. بعضهم، ومنهم الترويكا الأوروبية التي تسعى لاستخدام هذه الآلية، ذهبوا إلى حد وصف تلك الهجمات بأنها “دفاع عن النفس”. عليهم أن يعيدوا النظر في سياساتهم، وأن يتأملوا في ما سيجلبه لهم هذا المسار. ما المكاسب؟ أنا أعتقد أن هناك طرقًا دبلوماسية للتقدم. لقد كتبت مقالًا في صحيفة “الغارديان” عن شبكة للتعاون النووي وعدم الانتشار في الشرق الأوسط. وفي مجلتكم، كتبت عن اتفاقية عدم الاعتداء.

راوي أغراوال: كنت أنوي أن أطرح ذلك المقال تحديدًا. الآن، الدفاع عن سياسات أوروبا أو أمريكا ليس من مهامي، لكن يمكنني أن أطرح التحديات على كلا الطرفين، وأطرحها عليك أيضًا بصفتك صحفيًا. في ذلك المقال في “فورين بوليسي”، كتبت أن إيران يمكن أن تنتقل من “نهج قائم على مواجهة التهديدات المستمرة” إلى “نهج قائم على استثمار الفرص”. وقلت إن هذا “ليس ممكنًا فحسب، بل يصب بعمق في مصلحة إيران”. هل يمكنك أن تشرح ذلك أكثر؟ لقد سألتك مرارًا عمّا إذا كانت الأحداث الماضية قد خدمت مصالح إيران، ولم أتمكن من فهم كيف حدث ذلك. لكن إذا نظرنا إلى المستقبل، كيف يمكن أن تبدو سياسة داخلية وخارجية أفضل لإيران ولشعبها؟

محمد جواد ظريف: عندما تتحدث عن ما إذا كانت تلك الأحداث قد خدمت مصالح إيران، فإنك تفترض أن إيران كانت لديها خيارات أخرى. عندما تتعرض للهجوم، لا يكون لديك خيار.

راوي أغراوال: لكن إيران ليست مضطرة لتمويل حماس. ليست مضطرة لدعم حزب الله.

محمد جواد ظريف: لقد ذكرت أمثلة لدول عربية؛ كل واحدة منها تدعم هذه الجماعات. كل واحد من حلفائكم يدعم هذه الجماعات. قطر تدعمها. تركيا تدعمها. مكاتب حماس موجودة في قطر. إسرائيل تحاول تحويل الانتباه عن جرائمها نحو إيران. هذه ليست حرب إيران. إنها عدوان إسرائيلي على الفلسطينيين. وإذا حاول الإسرائيليون تحويل التركيز إلى إيران لصرف الأنظار عن السبب الحقيقي، فلن تُحل المشكلة.

لقد قلت إن إيران تعرضت للإهانة على مدى 220 عامًا. والآن، لأول مرة خلال هذه الفترة، استطاعت أن تُظهر للعالم أنها قادرة على الوقوف في وجه قوتين نوويتين، والرد، وعدم الركوع – كما قال ترامب. أنا لا أتحدث هنا بصفتي ممثلًا للحكومة الإيرانية. أنا أتحدث كمحلل يأمل في مستقبل أفضل للعلاقات الدولية. لكن يمكنني أن أقول إن الشعب الإيراني لم يستسلم. لم تكن الحكومة وحدها، بل وقف الشعب في مواجهة هذا العدوان الخارجي، ليس بالضرورة دعمًا للحكومة، بل دعمًا لبلده.

الآن، أثبتنا أن لدينا ركائز قوية للنظر إلى المستقبل. ذلك المستقبل يمكن أن يكون مليئًا بالفرص والخيارات. يمكننا أن نرى خيارات في الاتفاق النووي ضمن إطار كونسورتيوم. يمكننا أن نرى خيارات في ممر نخجوان إلى أذربيجان. عندما كنت وزيرًا للخارجية، اقترحنا كونسورتيوم 3+3: إيران، روسيا، تركيا، أذربيجان، أرمينيا، وجورجيا. والآن يمكننا تنفيذه، حتى بمشاركة شركات أمريكية. هذا التعاون سيجلب الأمن والازدهار للمنطقة. ويمكننا أن نتعاون مع جيراننا العرب في المجال النووي وفي مجالات أخرى.

شكرًا لك يا سهيل على مشاركتك هذا النص العميق والمليء بالأفكار السياسية والفلسفية. إليك الترجمة الكاملة إلى العربية بأسلوب دقيق وواضح، يحافظ على النبرة التحليلية والجدلية التي يتميز بها الحوار:

محمد جواد ظريف: هذا يتطلب تغييرًا في النموذج الفكري، لكن كما يُقال، رقصة التانغو تحتاج إلى شخصين. لا يمكن لإيران أن تقوم بذلك بمفردها. على الولايات المتحدة أيضًا أن تعترف بأن سياسة المواجهة وسياسة الضغط – سواء كانت “عقوبات مشلّة” في عهد أوباما أو “الضغط الأقصى” في عهد ترامب – لم تنجح أيٌّ منها. ما ترونه اليوم هو إيران أكثر قوة. تدمير المواقع النووية الإيرانية لم يُدمّر القدرة النووية، لأن هذه القدرة موجودة في عقول العلماء الإيرانيين. أعلم أن إسرائيل، من خلال اغتيال العلماء وعائلاتهم، ارتكبت جريمة حرب، لكنها لا تستطيع القضاء على مئات الأشخاص الذين يعرفون كيف يطوّرون التكنولوجيا النووية. إذًا، نحن نمتلك تلك التكنولوجيا. من الوهم الاعتقاد بأن قصف ثلاثة مواقع قد دمّرها. الحل الأفضل هو وضع هذه القدرات ضمن إطار واضح. لقد حاولنا فعل ذلك من خلال الاتفاق النووي (برجام)، والآن يمكننا أن نضعه ضمن إطار إقليمي يضمن للجميع أن هذه القدرات تُستخدم لأغراض سلمية فقط. وبصفتي من فاوض على الاتفاق النووي، أقول إن هذا ممكن تمامًا، بشرط أن نقرر تجاوز الماضي والنظر إلى المستقبل. نحن الآن أسرى الماضي، ومُدانون بتكرار إخفاقاته.

راوي أغراوال: يبدو أن ترامب هذه الأيام يسعى لتوقيع اتفاقيات سلام حول العالم. هل من الممكن أن يسعى لتوقيع اتفاق نووي جديد مع إيران أو أن يُغيّر النموذج كما وصفت؟

محمد جواد ظريف: أعتقد أن الرئيس ترامب يملك القدرة الكاملة على فعل ذلك، ولديه الرغبة أيضًا. لكن هناك شرط واحد: أن يتوقف عن الاستماع إلى “بيبي” (نتنياهو).
أحاول إقناعه بالتمسك بقراره السابق في مواصلة التفاوض. لقد كتب بنفسه في السابق، ونتنياهو اعترف بأن انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي جاء نتيجة لضغوطه، ولم يكن في مصلحة الولايات المتحدة، ولا في مصلحة المجتمع الدولي. لسنا مضطرين للبقاء أسرى الماضي، لكن يمكننا أن نتعلم منه. والرئيس ترامب في موقع يمكنه من صياغة مستقبل مختلف. ذلك المستقبل ممكن، بشرط أن يتخلى عن التعلق بأوهام لن تتحقق.
إيران دولة عمرها آلاف السنين. تجاوزنا الغزوات والاعتداءات، لكننا بقينا. وبعد كل ذلك، وقفنا شامخين. وسنظل دولة حضارية نابضة بالحياة، كما كنا أقدم دولة حضارية في العالم. دعونا نعترف بهذه الحقيقة ونتصرف على أساسها.

راوي أغراوال: والآن، بما أنك تتحدث بصفتك محللًا، كيف ترى تأثير الرئيس ترامب على العالم من منظور مواطن إيراني، خاصة في ولايته الثانية؟

محمد جواد ظريف: لا يمكن إصدار حكم نهائي بعد، لكن حتى الآن لم يحقق إنجازًا يُذكر. لذلك علينا أن ننظر إلى فرص ومسارات مختلفة. قصف إيران بالتأكيد لا يجعل منه “رئيس السلام”، خصوصًا عندما يحدث ذلك أثناء وجود مبعوثه في طهران للتفاوض. من الآن فصاعدًا، من سيثق بالولايات المتحدة؟ من سيحاول التفاوض معها؟ بسبب ما فعله الرئيس ترامب، أصبح من الصعب عليّ إقناع الشعب الإيراني بأن الدبلوماسية تستحق التجربة. هل هذا هو الأثر الذي يريد تركه؟ أن المواجهة هي السبيل الوحيد للتعامل مع أمريكا؟ أن اللغة الوحيدة التي تفهمها الولايات المتحدة هي لغة القوة؟ هل هذا هو الإرث الذي يريدون تركه؟
ما المكسب للشعب الأمريكي؟ هل ستصبح أمريكا “عظيمة من جديد” بقصف الدول، وبالاستعلاء على الآخرين، وبإهانة قادتهم؟ هل هذا يجعل أي دولة أخرى عظيمة؟ نحن، من خلال آلاف السنين من الحضارة، تعلمنا أن الاحترام يولّد الاحترام.

راوي أغراوال: هل تعتقد أن العالم يتجه نحو نظام ما بعد الأحادية القطبية؟ كيف يبدو هذا النظام من وجهة نظرك؟

محمد جواد ظريف: أنا أعتقد أننا لم نكن يومًا في نظام عالمي أحادي القطب؛ ما كان موجودًا هو وهم الأحادية القطبية، وقد انتهى ذلك الوهم مع تقرير بيكر–هاملتون عام 2006 حول حرب العراق.
منذ عام 1990 وحتى 2004، حاولت الولايات المتحدة استخدام تفوقها العسكري لفرض نظام أحادي القطب، في مواجهة صعود الصين ودول أخرى نامية. تقرير بيكر–هاملتون أنهى ذلك الوهم.
نحن الآن نتجه نحو عالم ما بعد القطبية، حيث توجد مصالح متنافسة على مستويات متعددة. على مستوى القوة العسكرية، من الواضح أن الولايات المتحدة تنفق أكثر من أي دولة أخرى – ربما ثلاثة أضعاف الصين، وعشرة أضعاف روسيا وبعض الدول الأخرى. إذًا، لديها القوة العسكرية. لكن هل وفّرت هذه القوة الأمن لأمريكا؟
لقد عشت سنوات في نيويورك، وأتذكر عندما عدت إليها بعد أحداث 11 سبتمبر؛ لم يكن بالإمكان رؤية شعور بالأمان في وجوه الأمريكيين، حتى في وجوه سكان نيويورك. الحكومة الأمريكية لم تستطع توفير الأمن حتى لمواطنيها، وهي أولى مهام أي حكومة.
في المجال العسكري، نعم، الولايات المتحدة هي الأقوى، لكن هذه القوة لا تؤدي بالضرورة إلى الرفاه أو الأمن. في الاقتصاد، لدينا العديد من اللاعبين. في الأمن، هناك فاعلون غير حكوميين، من داعش إلى غيرها. وفي مجال التكنولوجيا، لدينا أيضًا فاعلون غير حكوميين يتفوقون على الدول من حيث القدرات.

لقد ابتعدنا عن التصور التقليدي للقطبية. وهناك عنصر مهم آخر: القطبية تتطلب الولاء، والآن أدركت الدول أن الولاءات الدائمة لم تعد موجودة. الناس باتوا يدركون أننا نعيش في عصر التحالفات القصيرة الأمد والمبنية على قضايا محددة. التحالفات طويلة الأمد أصبحت من الماضي.
كل هذا يضعنا في وضع لا يمكن فيه للهيمَنة أن تستمر. قد تبقى النزعات الهيمنية، سواء على المستوى العالمي أو الإقليمي، لكن العالم بات معقدًا إلى درجة تجعل وجود هيمنة واحدة – عالمية أو إقليمية – أمرًا مستحيلًا.
فلنحاول بناء مستقبل مختلف؛ مستقبل قائم على الفرص، لا على التهديدات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *