مقدمة عن الكتاب والمؤلف
رافي باترا، اقتصادي أمريكي من أصل هندي وأستاذ في جامعة ساوثرن ميثوديست، يُعرف بانتقاده للهياكل الاقتصادية المعاصرة. من أشهر أعماله “الكساد الكبير لعام 1990″ و”احتيال غرينسبان”. في كتابه “إنهاء البطالة الآن: كيف نقضي على البطالة والدين والفقر رغم الكونغرس”، الصادر عام 2015 عن دار سانت مارتن، يبلغ ذروة رؤيته الأخلاقية الاقتصادية.
الكتاب، الذي يتألف من 256 صفحة، مكتوب بأسلوب تحليلي واضح، ويطرح فكرة أن البطالة يمكن القضاء عليها تقريبًا دون الحاجة إلى تشريع جديد من الكونغرس، وذلك باستخدام السلطات التنفيذية والنقدية القائمة. يرى باترا أن التوظيف ليس نتيجة للسوق، بل مبدأ مؤسسي وأخلاقي أساسي، ويعيد تعريف دور الحكومة والسوق والعدالة الاجتماعية.
الأطروحة المركزية والإطار الفكري
يرى باترا أن “المصدر النهائي للبطالة” هو الرأسمالية الاحتكارية، حيث تقوم الشركات العملاقة بخفض الأجور، ورفع الأسعار، واستخلاص الإنتاجية، مما يؤدي إلى فائض في الإنتاج وركود في الطلب، وبالتالي تسريح العمال. الحل ليس في توسيع الحكومة أو تحرير السوق أكثر، بل في استعادة المنافسة الحقيقية من خلال تفكيك الاحتكار وإعادة توجيه الحوافز باستخدام أدوات تنفيذية.
“السوق الحرة الحقيقية مستحيلة دون تفكيك القوة الاحتكارية؛ ويمكن بدء هذه المهمة من خلال السلطة التنفيذية.”
أدوات السياسة المقترحة دون تدخل الكونغرس
يقدم باترا “مجموعة أدوات تنفيذية” تهدف إلى تعزيز التوظيف، وتقليل الدين والفقر، مع الحفاظ على هيكل السوق. المحور المشترك هو إضعاف القوة الاحتكارية وتسريع دور الشركات الصغيرة:
- إنشاء بنك تنافسي مدعوم من FDIC: لمنافسة العمالقة الماليين، وخفض أسعار الفائدة على بطاقات الائتمان إلى حوالي 5% بدلًا من 10–35%.
- حظر الاندماجات بين الشركات الكبرى المربحة: لمنع عمليات التسريح والحفاظ على المنافسة والوظائف.
- توفير الائتمان الرخيص والعقود الحكومية للشركات الصغيرة: كونها المحرك الحقيقي للتوظيف منذ الثمانينات.
- إصدار سندات تقاعد لتعويض انخفاض دخل كبار السن: لضمان دخل ثابت وزيادة الطلب الكلي.
- الضغط لخفض أسعار النفط إلى حوالي 20 دولارًا للبرميل: لتقليل تكاليف المعيشة وتحفيز الإنفاق.
يدّعي باترا أن تنفيذ هذه الحزمة يمكن أن يقضي على البطالة تمامًا خلال عامين باستخدام سلطات الرئيس والاحتياطي الفيدرالي القائمة، دون تدخل الكونغرس.
المنطق السببي: من الاحتكار إلى البطالة، ومن التنفيذ إلى التوظيف
يشرح الكتاب كيف أن تركّز القوة السوقية في قطاعات مثل التمويل والتجزئة والنفط والأدوية يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وانخفاض الأجور، مما يخلق فائضًا في الإنتاج وضعفًا في الطلب، ثم تسريحًا للعمال، فبطالة مزمنة وعدم مساواة وديون أسرية. الحل هو تفكيك هذا الهيكل عبر “السلطة التنفيذية”، وفتح المجال للمنافسة الشعبية والابتكار.
الكتاب مناهض للاحتكار لكنه مؤيد للسوق: يدعو إلى سوق بلا هيمنة، لا سوق بلا حكومة.
أدوات التنفيذ: الرئيس والاحتياطي الفيدرالي كوسائل
ما يميز هذا الكتاب هو اعتماده على السلطات القانونية القائمة بدلًا من الخطط التشريعية. يرى باترا أن الرئيس والاحتياطي الفيدرالي يمكنهما خلق “ظروف سوق أكثر حرية” عبر أدوات تنظيمية وتنفيذية، دون انتظار التوافق الحزبي.
هذا التركيز على التنفيذ يحوّل الكتاب من “بيان طموحات” إلى “خريطة عمل”، ويطرح سؤالًا سياسيًا حول مسؤولية السلطة التنفيذية.
المقارنة الفكرية: مع كينز وماركس والمؤسسية
يركز باترا على التوظيف كمحور للمقارنة:
| المحور | كينز | ماركس | المؤسسية | باترا |
| التوظيف | أداة لتحفيز الطلب | جوهر الصراع الطبقي | وظيفة القواعد | مبدأ أخلاقي–مؤسسي |
| الحل | تحفيز الطلب | تغيير ملكية وسائل الإنتاج | إصلاح المؤسسات | تفكيك الاحتكار التنفيذي + سوق عادلة |
| دور الحكومة | دور دوري | أداة للطبقة الحاكمة | مصمم للقواعد | معطل للاحتكار وحليف للشركات الصغيرة |
نقاط القوة والمخاطر والنقد
- نقاط القوة: التركيز على أدوات تنفيذية فورية وقانونية، الاستناد إلى تاريخ مكافحة الاحتكار، الربط بين العدالة والكفاءة، وإعادة تعريف السوق الحرة.
- مخاطر التنفيذ: مقاومة سياسية وقانونية لتفكيك الاحتكارات، آثار جيوسياسية وبيئية لخفض أسعار النفط، صراعات تنظيمية مع البنوك الكبرى.
- غموض التصميم: نقص التفاصيل حول تحديد الأسعار، ترتيب السياسات، وإدارة الآثار غير المقصودة مثل الصدمات في العرض.
الحكومة في ظل رأس المال: رؤية باترا للعلاقة البنيوية بين الدولة والشركات
يرى باترا أن الحكومة ليست حكمًا محايدًا، بل لاعبًا منحازًا للنخب المالية والشركات الاحتكارية. في هذا الكتاب، يبلغ هذا الرأي ذروته: الحكومة الأمريكية، في هيكلها الحالي، لا تحمي المصلحة العامة بل تتعاون بنيويًا مع الرأسمالية الاحتكارية.
الحكومة كذراع للاحتكار
يؤكد باترا أن تدخل الحكومة – من السياسات الضريبية إلى إنقاذ البنوك – يخدم الشركات الكبرى ويعزز الاحتكار.
نقد التدخل المضلل
لا يعارض باترا التدخل الحكومي بحد ذاته، بل ينتقد اتجاهه الذي يخدم المصالح الراسخة بدلًا من رفاهية الشعب.
الحكومة والعدالة والذاكرة الاجتماعية
يرى باترا أن الحكومة يجب أن تحمي الكرامة الإنسانية والتوظيف الشامل والعدالة التوزيعية، لكنها نسيت هذا الدور وأصبحت حارسة لمصالح الاحتكار.
خاتمة: دولة ناسية، واقتصاد بلا ذاكرة
يرى باترا أن الدولة فقدت ذاكرتها الاجتماعية وأصبحت خادمة للهياكل الاحتكارية. يدعو إلى استعادة الدور الأخلاقي للحكومة كحامية للعدالة، ليس عبر التشريع، بل من خلال العمل التنفيذي الجريء. في رؤيته، يجب أن تخرج الدولة من ظل رأس المال وتصبح حارسة للكرامة الإنسانية.
“إنهاء البطالة الآن”: بيان لسوق بلا هيمنة
يُعد كتاب End Unemployment Now بيانًا لسوق بلا هيمنة: مناهض للاحتكار، مؤيد للمنافسة العادلة، ومبني أخلاقيًا على هدف التوظيف الكريم. يُظهر رافي باترا كيف يمكن استخدام السلطات التنفيذية والنقدية القائمة لإعادة ضبط الحوافز، وتحفيز التوظيف الشعبي، ومكافحة الدين والفقر.
هل كل عنصر من عناصر الخطة قابل للتنفيذ الفوري؟ لا.
لكن هل يقدم مخططًا واضحًا لكسر الحلقة المفرغة للبطالة الناتجة عن الاحتكار؟ نعم — وهذا وحده يجعله جديرًا بالنقاش الجاد والتجربة العملية.
نبذة عن حياة رافي باترا الحالية
يواصل رافي باترا الإقامة في الولايات المتحدة ويعمل أستاذًا للاقتصاد في جامعة ساوثرن ميثوديست في دالاس، تكساس. يُدرّس في هذه الجامعة منذ سبعينيات القرن الماضي، ولا يزال نشطًا في مجالات الاقتصاد الدولي، نظرية التنمية، ونقد الرأسمالية.
أنشطة باترا الحالية:
- تدريس الاقتصاد في الجامعة
- تأليف ونشر كتب تحليلية حول الأزمات الاقتصادية، وعدم المساواة، والنظريات البديلة
- الترويج لنظرية “الاستخدام التقدمي” (PROUT)، المستوحاة من تعاليم مرشده الروحي P.R. Sarkar
- الظهور في وسائل الإعلام والبرامج الإذاعية لتحليل القضايا الاقتصادية الراهنة
لا يزال باترا ناقدًا قويًا للرأسمالية المالية والاحتكارية، ويؤمن بأن تحقيق العدالة الاجتماعية يتطلب إعادة تفكير جذرية في الهياكل الاقتصادية.
📘 Batra, Ravi. End Unemployment Now: How to Eliminate Joblessness, Debt, and Poverty Despite Congress, الصفحات 1–256، نيويورك: دار سانت مارتن، 2015.
