بقلم حيدر سهیلی أصفهاني

 بينما يقف رئيس الولايات المتحدة على منبر الأمم المتحدة ساخرًا من أزمة المناخ، ترقص الشركات الكبرى الملوثة على أنغام نشيده “احفر، يا حبيبي، احفر”. هذا التواطؤ ليس مجرد عرض إعلامي؛ بل هو مؤشر على تقارب بنيوي بين السلطة السياسية والمصلحة الاقتصادية. وفي الوقت ذاته، تكشف الصفائح الجليدية الذائبة في القارة القطبية الجنوبية حقيقة مرعبة: احتياطيات ضخمة من غاز الميثان، كانت مدفونة تحت طبقات الجليد، بدأت الآن في الانبعاث إلى الغلاف الجوي.

  هل يجب أن نقلق؟

 بالطبع! وتيرة هذا الانبعاث مثيرة للقلق الشديد. ففي عام 2020، سُجل تسرّب واحد فقط. وبحلول عام 2025، ارتفع العدد إلى أكثر من أربعين. وإذا استمرت هذه الوتيرة، فقد نشهد مئات التسربات خلال السنوات الخمس القادمة. الميثان، الغاز غير المرئي لكنه شديد الفاعلية، يُعد أكثر تأثيرًا في تسخين الكوكب من ثاني أكسيد الكربون بما يصل إلى ثمانين ضعفًا خلال فترة عشرين عامًا. هذه الانبعاثات ليست مجرد مؤشرات على تدهور بيئي؛ بل هي تجسيد لفشل السياسات الديمقراطية أمام سطوة السلطة الأوليغارشية.

 في ظل هذا الوضع البيئي الكارثي، حين تكون البشرية في أمسّ الحاجة إلى تحرك منسق لإنقاذ الكوكب، يرى كثير من النقّاد أن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ليست حدثًا انتخابيًا عابرًا، بل نتيجة لتقارب عميق بين المؤسسات المالية وأجندته السياسية—مؤسسات تفوق عائداتها السنوية في كثير من الأحيان ميزانيات الدول ذات السيادة. ويعتقد عدد متزايد من المراقبين أن من بين مهامه المركزية، التي ينفذها بثقة أكبر من ولايته الأولى، تفكيك الجهود الرامية إلى الإصلاح البيئي. وهذه الثقة بحد ذاتها تكشف عن تحول جذري: فالأوليغارشية، التي كانت تعمل في الظل، باتت الآن تتقدم بجرأة إلى واجهة المشهد السياسي.

 خطر الأوليغارشية

 إن تهديد هيمنة الأوليغارشية على العمليات الديمقراطية ليس جديدًا. فنحن، كطلبة في العلوم السياسية، نعرف جيدًا آراء سقراط وتلميذيه البارزين أفلاطون وأرسطو. فقد اعتبروا الديمقراطية نظامًا غير مستقر ومعرضًا للفوضى، ينتهي في نهاية المطاف إلى حكم نخبة أنانية. لم يرَ أي من هؤلاء الفلاسفة في الديمقراطية شكلًا مستدامًا أو مستقلًا للحكم.

لكن المشكلة الجوهرية اليوم لا تكمن فقط في صعود الأوليغارشية على حساب الديمقراطية—وهو مسار بات شبه اعتيادي—بل في التكلفة الوجودية لهذا الصعود على الكوكب نفسه. فكما تتجلى نقديات كارل ماركس للرأسمالية في أمريكا المعاصرة، كذلك تتحقق تحذيرات سقراط من الديمقراطية في بنيتها السياسية.

 نبوءة السقراطيين

أنا لا أتفق فقط مع الرؤية السقراطية للديمقراطية، بل أعتقد أيضًا أن الديمقراطية، في صورتها النقية، غير قابلة للتطبيق بنيويًا. فكل نظام يصف نفسه بأنه ديمقراطي، إنما يستخدم تسمية عامة لإخفاء منظومة معقدة. وحتى لو اكتسبت الديمقراطية مظهرًا أرستقراطيًا مؤقتًا، فإن مصيرها المحتوم هو الانحدار نحو الأوليغارشية. وما هو غير مسبوق اليوم، هو أن هذا المسار المألوف قد ينتهي بكارثة بيئية.

في بعض الأنظمة الديمقراطية، تبقى تأثيرات الأوليغارشية مستترة خلف أقنعة—تُمرر مطالبها عبر روافع خفية للسلطة. لكن في الولايات المتحدة، سقط القناع. فالأوليغارشية تفرض إرادتها علنًا، وخصوصًا تجاهلها الصارخ لمتطلبات المناخ، على المؤسسة السياسية.

 و بالنهایة

 وفي التناقضات الظاهرة في التصريحات السياسية، والمواقف العامة، وحتى في لغة جسد سياسيين مثل دونالد ترامب، يمكن تلمّس ارتباك عميق بين المصالح الوطنية ومتطلبات الأجندات المفروضة من جماعات النفوذ.

 يجب أن يُقال بوضوح: إذا كانت “الديمقراطية الأوليغارشية” هي الآن الشكل السائد للحكم في الولايات المتحدة، فإن النزعة الربحية المتسارعة لمؤسساتها الاقتصادية قد تمحو قريبًا حتى التسمية الديمقراطية. نحن نقترب من لحظة قد يظهر فيها نظام أوليغارشي كامل—يخدم مصالح قلة مختارة فقط. ونظرًا لأن البشرية باتت مضطرة للاختيار بين بقاء الكوكب وترسيخ السلطة الأوليغارشية، فإن هذا التحول الحتمي—على خلاف العصور القديمة—قد يأتي على حساب الحياة البشرية ذاتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *