بقلم: حیدر سهیلي الأصفهاني

هجومه على قطر، كان كارثة استراتيجية وأخلاقية

  ضربة زلزلت المنطقة

عندما أطلقت الطائرات الحربية الإسرائيلية صواريخها على موقع في الدوحة، من فوق قاعدة العديد العسكرية الأمريكية، أصيب كثيرون بالذهول. هذا الهجوم استهدف حليفاً إقليمياً للولايات المتحدة، بجوار أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط. لم يقتصر الأمر على تقويض مصداقية واشنطن، بل فشل الهجوم حتى في منح نتنياهو فرصة تنظيم كرنفاله الانتصاري المعتاد.

البعض حاول تصوير الضربة على أنها مناورة محسوبة، أو رسالة استراتيجية. لكن الحقيقة أبسط من ذلك بكثير: هجوم أحمق، نفذه أحد أكثر السياسيين تهوراً وبلادة في العالم.

  نتنياهو: ممثل اللوبي أولاً، رئيس وزراء لاحقاً

قبل أن يحسب نفسه رئيساً للوزراء، يَتصرف وكأنه ممثلٌ للّوبي الصهيوني داخل إسرائيل؛ رحلاته المتكررة إلى الولايات المتحدة، أحياناً إلى وجهات مجهولة للقاء “شخصيات نافذة جداً”، كانت تسبقها دائماً إزالة الضغوط عنه، ليعود ويتصرف كما يشاء.

في لقاءاته مع أوباما وترامب، كشفت لغة الجسد كل شيء. أوباما أظهر احتقاره له بوضوح، وترامب ارتدى تعبيراً هزلياً: “ما شأني؟ هذه أوامر الرئيس”. أحياناً كان ينظر إليه بضيق: “ماذا الآن؟ هل جلبت لنا أوامر جديدة من سيدك؟”

نتنياهو كان يستمتع بهذا الدور. مجموعة من أعضاء الكونغرس، صغاراً وكباراً، ممن وصلوا بدعم اللوبي، كانوا يتدربون كفرقة موسيقية، ليحولوا قاعة الكونغرس إلى كرنفال مقزز في استقباله. بعضهم كان يشي بزملائه الذين رفضوا الحضور.

داخل إسرائيل، هو مكروه بشدة. المعارضة تكبر يوماً بعد يوم. خان الجميع، وشكّل فقط عصابته الخاصة، التي تتبنى رؤية واحدة جذبت انتباه اللوبي الأمريكي.

من بين من تم تهميشهم، أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب “إسرائيل بيتنا”، الذي يمثل أقلية يهودية ناطقة بالروسية ذات نفوذ كبير. ليبرمان رفض الانضمام إلى عصابة نتنياهو المتطرفة، وربما قيلت كلمة “لا” الأولى في موسكو.

كلما واجه نتنياهو اضطراباً سياسياً داخلياً، يفضل حل مشاكله “في مكان ما بأمريكا”.

  ليس فقط غير عاقل—بل مضطرب نفسياً

القول إن نتنياهو غير عاقل لا يكفي. تظهر عليه علامات واضحة للاضطراب النفسي. تقارير نفسية، بعضها لتقييمه كقائد دولة، وأخرى لتشخيص حالته، تشير إلى اختلالات مزمنة.

صورته في أول لقاء له مع محمود عباس كانت كاشفة. علماء النفس لاحظوا هوسه بالكاميرات. كأنه مؤمن بوجود إله يراقبه في كل لحظة، لكنه إله يجلس في أمريكا. نتنياهو ليس قائداً، بل مجرد “شو مان”.

  بلا إيمان، لكنه يوظف الدين سياسياًثقافته الدينية ضعيفة جداً. وفقاً لموقع Religions Facts، وُلد في أسرة علمانية ولم يحتفل ببار ميتسفا. يصف نفسه بأنه مؤمن بالله، لكنه غير متدين. لا يتبع أي فرع من اليهودية، وعلاقاته مع رجال الدين سياسية بحتة.

هل هو متطرف ديني فعلاً؟ أم أنه يستخدم التطرف الديني كأداة سياسية بإيعاز من “سيده في أمريكا”؟ خطبه مليئة بالأخطاء. في إحدى المناسبات، وصف عيد بوريم بأنه انتصار اليهود على الإيرانيين، ما أثار غضب الحاخامات. يختلق تفسيرات جديدة للنصوص المقدسة بما يخدم أجندته.

  هجوم قطر: تجسيد كامل لشخصيته

هل كان الهجوم على قطر مجرد زلة جديدة؟ أم أنه فعلاً ارتكب كارثة؟

هجومه السابق على إيران استمر 12 يوماً، واعتُبر فشلاً ذريعاً، خصوصاً من ناحية السمعة، حيث ساعد إيران على استعادة بعض من مصداقيتها. توقع كثيرون أن يتعلم من خطئه. لكن هجومه المفاجئ على قطر أثبت أنه لا يعرف معنى الخطأ أصلاً.

مع هذا الدعم الأعمى من الغرب، خاصة أمريكا، قد يهاجم يوماً إحدى الولايات الأمريكية. متعته اللامحدودة في فعل ما يشاء هي الدليل النهائي على كل ما سبق:

“هجومه على قطر كان مشهداً عرض فيه كل صفاته: إنه أحمق، لا يفهم شيئاً في السياسة، اعتمد طوال فترة حكمه على دعم رعاته الأقوياء في أمريكا الذين يمنحونه شيكات بيضاء لما يشاء، وله هدف واحد فقط: البقاء في منصب رئيس الوزراء، حتى لو كان الثمن سحق مصالح إسرائيل نفسها.”

تأمل أخير

المسألة ليست نتنياهو وحده. بل الآلة التي تمكّنه، والصمت الذي يحيط به، والأهم من ذلك: الناس—في غزة، في الدوحة، في تل أبيب—الذين يدفعون ثمن أوهامه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *