هل ستؤدي إدمان واشنطن على الديون إلى اندلاع الأزمة العالمية التالية؟

مجلة فارین أفیرز (الشؤون الخارجية)،كينيث س. روجوف

سبتمبر/أكتوبر 2025 نُشر في 19 أغسطس 2025

ملخص المقال:

تواجه الولايات المتحدة أزمة ديون وشيكة، إذ يقترب الدين العام من مستويات تاريخية، وتفوق مدفوعات الفوائد الإنفاق الدفاعي. وقد أدّت عقود من التراخي المالي من كلا الحزبين إلى تأسيس بنية اقتصادية هشة معرضة للصدمات. تفاقم المخاطر عوامل مثل ارتفاع أسعار الفائدة، وتراجع ثقة المستثمرين، والتهديدات التي تطال استقلالية الاحتياطي الفيدرالي. أما الحلول المحتملة—كالتضخم، أو القمع المالي، أو التخلف الانتقائي عن السداد—فقد تترتب عليها تبعات عالمية عميقة. وإذا لم تُتخذ إجراءات حاسمة، فقد تتآكل هيمنة الدولار والنفوذ الجيوسياسي الأمريكي بشكل كبير.

 على مدى معظم ربع القرن الماضي، نظر العالم بدهشة إلى قدرة الولايات المتحدة على تجاوز الأزمات من خلال الاقتراض. مراراً وتكراراً، وتحت إدارات ديمقراطية وجمهورية على حد سواء، استخدمت الحكومة الدين بشكل أكثر جرأة من أي دولة أخرى تقريباً لمواجهة الحروب، والركود العالمي، والأوبئة، والأزمات المالية.

وعلى الرغم من أن الدين العام الأميركي ارتفع بسرعة من مستوى إلى آخر — حيث بات صافي الدين يقترب الآن من 100٪ من الدخل القومي — لم يُظهر الدائنون في الداخل والخارج أي علامات على الإرهاق من الدين.

لسنوات بعد الأزمة المالية العالمية في 2008–2009، ظلت أسعار الفائدة على سندات الخزانة منخفضة للغاية، واعتقد كثير من الاقتصاديين أنها ستبقى كذلك لفترة طويلة جداً. وهكذا، بدا أن العجز الحكومي — أي الاقتراض الجديد — بمثابة “وجبة مجانية” حقيقية.

ورغم أن نسبة الدين إلى الدخل قفزت بشكل حاد بعد كل أزمة، لم يكن هناك ما يشير إلى ضرورة الادخار استعداداً للأزمة التالية. وبالنظر إلى سمعة الدولار باعتباره الأصل الآمن والسائل الأول عالمياً، كان مستثمرو سوق السندات العالمية دائماً على استعداد لاستيعاب كومة جديدة ضخمة من ديون الدولار، لا سيما في أوقات الأزمات التي ترتفع فيها حالة عدم اليقين ويقل فيها المعروض من الأصول الآمنة.

في السنوات القليلة الماضية، بدأت الشكوك الجادة تحيط بتلك الافتراضات السابقة. فأسواق السندات لم تعد خاضعة كما كانت، وارتفعت أسعار الفائدة طويلة الأجل بشكل حاد على سندات الخزانة الأميركية لأجل عشر وثلاثين سنة. وبالنسبة لدائن كبير مثل الولايات المتحدة — حيث يبلغ إجمالي الدين الأميركي الآن نحو 37 تريليون دولار، أي ما يعادل تقريباً مجموع ديون جميع الاقتصادات المتقدمة الكبرى الأخرى — فإن هذه المعدلات المرتفعة تُعد مؤلمة فعلاً.

فعندما يرتفع متوسط سعر الفائدة بنسبة واحد بالمئة، يعني ذلك زيادة قدرها 370 مليار دولار في مدفوعات الفائدة السنوية التي يتعين على الحكومة دفعها. وفي السنة المالية 2024، أنفقت الولايات المتحدة 850 مليار دولار على الدفاع — أكثر من أي دولة أخرى — لكنها أنفقت مبلغاً أكبر، 880 مليار دولار، على مدفوعات الفائدة.

وبحلول مايو 2025، كانت جميع وكالات التصنيف الائتماني الكبرى قد خفّضت تصنيف الدين الأميركي، وبدأت البنوك والحكومات الأجنبية التي تحتفظ بتريليونات الدولارات من الدين الأميركي تشعر بأن السياسة المالية للولايات المتحدة قد تكون خرجت عن السيطرة. ومع تراجع احتمالية عودة معدلات الاقتراض المنخفضة جداً التي سادت في العقد الماضي، بات الوضع أكثر خطورة.

لا توجد حلول سحرية. فمحاولات الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحميل مجلس الاحتياطي الفيدرالي مسؤولية ارتفاع أسعار الفائدة تُعد مضللة إلى حد بعيد. فالمجلس يتحكم في سعر الاقتراض الليلي، لكن أسعار الفائدة طويلة الأجل تحددها الأسواق العالمية الواسعة. وإذا خفّض المجلس السعر الليلي بشكل مفرط، وتوقعت الأسواق ارتفاع التضخم، فإن أسعار الفائدة طويلة الأجل سترتفع أيضاً.

فالتضخم المرتفع غير المتوقع يُعد فعلياً شكلاً جزئياً من التخلف عن السداد، لأن المستثمرين يُسدد لهم بالدولارات التي فقدت جزءاً من قوتها الشرائية؛ وإذا توقعوا تضخماً مرتفعاً، فسيطالبون بعائد أعلى لتعويض ذلك. ومن الأسباب الرئيسية التي تدفع الحكومات إلى إنشاء بنك مركزي مستقل هو طمأنة المستثمرين بأن التضخم سيظل تحت السيطرة، وبالتالي الحفاظ على انخفاض أسعار الفائدة طويلة الأجل. وإذا سعت إدارة ترامب (أو أي إدارة أخرى) إلى تقويض استقلالية الاحتياطي الفيدرالي، فإن ذلك سيؤدي في النهاية إلى رفع تكاليف الاقتراض الحكومي، لا خفضها.

وقد أدت الشكوك بشأن سلامة الاحتفاظ بسندات الخزانة إلى إثارة شكوك مماثلة بشأن الدولار الأميركي. فعلى مدى عقود، منح وضع الدولار كعملة احتياطية عالمية الولايات المتحدة ميزة في الاقتراض بأسعار فائدة أقل، ربما بنصف نقطة إلى نقطة مئوية. لكن مع بلوغ الدين الأميركي مستويات غير مسبوقة، لم يعد الدولار يبدو منيَعاً، خصوصاً في ظل حالة عدم اليقين بشأن السياسات الأميركية.

وعلى المدى القريب، قد تقرر البنوك المركزية العالمية والمستثمرون الأجانب الحد من إجمالي حيازاتهم من الدولارات الأميركية. وعلى المدى المتوسط والطويل، قد يفقد الدولار حصته السوقية لصالح اليوان الصيني أو اليورو أو حتى العملات الرقمية. وفي كلتا الحالتين، ستتراجع الطلبات الأجنبية على الدين الأميركي، مما سيزيد من الضغوط التصاعدية على أسعار الفائدة ويجعل معادلة الخروج من حفرة الدين أكثر تعقيداً.

وقد لمّحت إدارة ترامب بالفعل إلى اتخاذ إجراءات أكثر تطرفاً للتعامل مع تصاعد مدفوعات الدين، إذا لم يكن السيطرة على الاحتياطي الفيدرالي كافياً. فـ”اتفاق مار ألاغو”، وهي استراتيجية طُرحت في نوفمبر 2024 من قبل ستيفن ميرن، رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين في إدارة ترامب، يقترح أن الولايات المتحدة قد تتخلف بشكل انتقائي عن سداد مدفوعاتها للبنوك المركزية والخزائن الأجنبية التي تحتفظ بتريليونات الدولارات من الدين الأميركي.

سواء أُخذ هذا الاقتراح على محمل الجد أم لا، فإن مجرد وجوده قد أثار قلق المستثمرين العالميين، ومن غير المرجح أن يُنسى. وقد تضمّن مشروع قانون ضريبي وإنفاقي ضخم أقرّه الكونغرس الأميركي في يوليو بنداً يمنح الرئيس صلاحية فرض ضريبة بنسبة 20٪ على بعض المستثمرين الأجانب. وعلى الرغم من حذف هذا البند من النسخة النهائية للقانون، فإنه يُعد بمثابة إنذار لما قد يحدث إذا وجدت الحكومة الأميركية نفسها تحت ضغط مالي شديد.

 مع الارتفاع الحاد في أسعار الفائدة طويلة الأجل، واقتراب الدين العام من ذروته التاريخية بعد الحرب العالمية الثانية، وتزايد تردد المستثمرين الأجانب، وغياب الرغبة السياسية في كبح الاقتراض الجديد، لم تعد احتمالية حدوث أزمة ديون أميركية من نوعٍ لا يتكرر إلا مرة كل قرن تبدو بعيدة المنال.

فالأزمات المالية والديون غالباً ما تقع عندما تكون الأوضاع المالية للدولة هشة أصلاً، وأسعار الفائدة مرتفعة، والمشهد السياسي مشلول، ثم تأتي صدمة مفاجئة تُربك صانعي القرار. والولايات المتحدة تستوفي بالفعل الشروط الثلاثة الأولى؛ وما ينقصها فقط هو تلك الصدمة.

وحتى إن تجنّبت البلاد أزمة ديون صريحة، فإن تآكل الثقة الحاد في جدارتها الائتمانية ستكون له تبعات عميقة. ومن الضروري أن يدرك صانعو السياسات كيف يمكن أن تتطور هذه السيناريوهات ولماذا، وما الأدوات المتاحة للحكومة للتعامل معها.

وعلى المدى الطويل، قد تؤدي أزمة ديون حادة — أو على الأرجح دوامة تضخمية — إلى دخول الاقتصاد في عقد ضائع، مما يُضعف موقع الدولار كعملة عالمية مهيمنة، ويقوّض النفوذ الأميركي بشكل كبير.

مالهم، مكسبنا

من المهم أن نفهم أن السياسات الاقتصادية لإدارة ترامب تُعد بمثابة عامل تسريع، لا السبب الجوهري، لمشكلة الدين الأميركي. فالقصة تبدأ فعلياً مع الرئيس رونالد ريغان في الثمانينيات، وهي حقبة من الإنفاق بالعجز، حيث كانت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة تعادل تقريباً ثلث ما هي عليه اليوم. وكما قال نائب الرئيس ديك تشيني خلال إدارة جورج دبليو بوش الأولى: “ريغان أثبت أن العجز لا يهم.”

يبدو أن كلا الحزبين قد تبنّى هذا الافتراض في القرن الحادي والعشرين، رغم أن أعباء الدين أصبحت أكثر إثارة للقلق. ففي السنة المالية 2024، على سبيل المثال، سجّلت إدارة بايدن عجزاً في الميزانية قدره 1.8 تريليون دولار، أي ما يعادل 6.4٪ من الناتج المحلي الإجمالي. باستثناء الأزمة المالية العالمية وسنة الجائحة الأولى، كان ذلك رقماً قياسياً في وقت السلم، متجاوزاً قليلاً نسبة 6.1٪ في العام السابق. وكان من الممكن أن تكون عجز ميزانية بايدن أكبر لولا مقاومة حازمة من عضوين ديمقراطيين وسطيين في مجلس الشيوخ، خفّضا حجم بعض مشاريع الإنفاق الكبرى للإدارة.

وخلال حملته الرئاسية لعام 2024، انتقد ترامب بايدن بشدة بسبب الإنفاق بالعجز الهائل. ومع ذلك، في ولايته الثانية، تبنّى ترامب عجزاً مماثلاً — بين 6 إلى 7٪ من الناتج المحلي الإجمالي لبقية العقد، وفقاً لتوقعات مستقلة صادرة عن مكتب الميزانية في الكونغرس ولجنة الميزانية الفيدرالية المسؤولة. وقد توقعت الأخيرة أنه بحلول عام 2054، ستصل نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة إلى 172٪ — أو حتى 190٪ إذا أصبحت بنود القانون دائمة.

ويزعم ترامب ومستشاروه الاقتصاديون أن هذه التوقعات متشائمة للغاية — فالنمو المتوقع منخفض جداً، وأسعار الفائدة المتوقعة مرتفعة جداً. فالنمو الأعلى سيؤدي إلى زيادة الإيرادات الضريبية مستقبلاً؛ وأسعار الفائدة المنخفضة تعني أن خدمة الدين ستكون أقل تكلفة. وإذا صحّت توقعات فريق ترامب، فإن كلا العاملين سيؤديان إلى خفض العجز وتعديل مسار الدين بالنسبة للدخل نحو الانخفاض.

ففي يناير 2025، توقّع مكتب الميزانية في الكونغرس معدل نمو سنوي قدره 1.8٪ خلال العقد المقبل، بينما وضعت الإدارة الرقم عند 2.8٪. وهذا الفرق كبير: فإذا نما الاقتصاد الأميركي بنسبة 1.8٪ سنوياً، فسيتضاعف حجمه (وبالتالي الإيرادات الضريبية المفترضة) كل 39 سنة. أما عند 2.8٪، فسيتضاعف كل 25 سنة. وبالنسبة لترامب، فإن افتراض هذا النوع من النمو السريع جعل من السهل تمويل العديد من الهبات المالية في الميزانية.

هناك أساس موضوعي لتوقعات إدارة ترامب بشأن النمو، رغم أن ذلك لا يرتبط كثيراً بما يُزعم من فوائد “القانون الكبير والجميل” الذي أُقر في يوليو. فالكثير من خبراء التكنولوجيا البارزين يعتقدون أن شركات الذكاء الاصطناعي ستتمكن من تحقيق “الذكاء العام الاصطناعي” — أي نماذج قادرة على أداء مهام معرفية معقدة تفوق أو تعادل أداء الخبراء البشر — خلال عشر سنوات، مما سيؤدي إلى طفرة هائلة في الإنتاجية.

بالفعل، فإن تقدم أبحاث الذكاء الاصطناعي مذهل، وهناك أسباب قوية للاعتقاد بأن تأثيره على الاقتصاد سيكون عميقاً. لكن على المدى المتوسط، قد تعيق تبنّيه الواسع عدة اختناقات، منها متطلبات الطاقة الهائلة، وتنظيمات البيانات، والمسؤوليات القانونية. علاوة على ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي سيسمح لبعض الشركات بتسريح أعداد كبيرة من العمال، مما قد يثير سخطاً شعبياً يدفع الساسة الشعبويين إلى فرض سياسات — إلى جانب القيود الصارمة على الهجرة القانونية، وخفض تمويل البحث العلمي، والحرب الجمركية الفوضوية الجارية — قد تُبطئ بشكل كبير تأثير الذكاء الاصطناعي على النمو.

وبغض النظر عن توقيت وكيفية حدوث ثورة الذكاء الاصطناعي، من المحتمل أن تحدث صدمة اقتصادية كبيرة أخرى في المستقبل القريب. ففي أثناء جائحة كوفيد-19، أضاف الركود القصير والاستجابة الحكومية الواسعة ديوناً تعادل تقريباً 15٪ من الناتج المحلي الإجمالي؛ وفي حالة الأزمة المالية العالمية، كانت الإضافة أقرب إلى 30٪. ويبدو من المعقول افتراض أن صدمة أخرى بهذا الحجم — مثل حرب إلكترونية أو نزاع عسكري شامل، أو كارثة مناخية، أو أزمة مالية أو جائحة جديدة — قد تحدث خلال السنوات الخمس إلى السبع المقبلة.

ويمكن النظر إلى توقعات النمو المتواضعة من مكتب الميزانية على أنها محاولة واقعية لموازنة احتمالات النمو الهائل، على الأرجح بدفع من الذكاء الاصطناعي، مع احتمالات حدوث صدمة جديدة.

وسرعة نمو الدين الأميركي ستعتمد أيضاً على سعر الفائدة. فقد قدّر مكتب الميزانية أن الحكومة ستدفع متوسط سعر فائدة قدره 3.6٪ حتى عام 2055 (ويأخذ هذا المتوسط في الاعتبار أن الحكومة تقترض على آجال قصيرة وطويلة). وهنا أيضاً، ترى إدارة ترامب أن المكتب متشائم جداً. ويبدو أن الرئيس يعتقد أن الاقتصاد يمكن أن يعود إلى أسعار الفائدة المنخفضة جداً التي سادت في ولايته الأولى، حين كانت أقل من نصف المعدلات الحالية وكان التضخم محدوداً جداً. ومن الصعب تفسير سبب ضغطه على الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة قصيرة الأجل بمقدار ثلاث نقاط مئوية، إلا بهذا الاعتقاد.

وجهة نظر ترامب لا ينبغي رفضها بشكل تلقائي.
فعدة أعضاء في لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية، التي تصدر تقارير دورية حول توقعاتها لسعر الفائدة قصير الأجل الذي يحدده الاحتياطي الفيدرالي خلال السنوات المقبلة، يرون أن السيناريو المركزي يتمثل في معدلات فائدة أقل بكثير. ومع ذلك، فإن معدل سندات الخزانة لأجل 30 عاماً كان قريباً من 5٪ في أواخر يوليو، ما يشير إلى أن الأسواق لا تتوقع انخفاضاً حاداً في أسعار الفائدة طويلة الأجل. وإذا بقيت هذه المعدلات عند هذا المستوى أو قريباً منه، فإن الاستمرار في رفع مستوى الدين يشكل خطراً حقيقياً، خصوصاً في ظل كون الأزمة الأكبر في الاقتصاد الأميركي حالياً أزمة سياسية.

جبل السحر

إن فشل واشنطن في التعامل مع مشكلة الدين المتصاعد يعود جزئياً إلى نظريات اقتصادية مضللة (أو على الأقل مبالغ في تقديرها) ترسخت خلال العقدين الماضيين.

تاريخياً، كان يُعتقد أن الإدارة الحكيمة للدين الحكومي تقتضي خفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي خلال فترات النمو الهادئة، لتوفير “ذخيرة مالية” للأزمات المقبلة. ففي القرن التاسع عشر، استخدمت المملكة المتحدة الدين لتمويل سلسلة من الحروب، واستغلت الفترات الفاصلة لإصلاح أوضاعها المالية. وبالمثل، رغم أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الأميركي كانت مرتفعة جداً خلال الحرب العالمية الثانية، فإنها انخفضت بسرعة في السنوات التالية، إذ كان صناع القرار يخشون اندلاع حرب عالمية ثالثة. ولتمويل حرب كوريا، قامت إدارة آيزنهاور برفع الضرائب بدلاً من الاعتماد على الدين.

لكن بعد الأزمة المالية العالمية، أدت أسعار الفائدة المنخفضة جداً والمستمرة إلى تشكيك عدد من كبار الاقتصاديين في هذه القاعدة التقليدية. ففي نظريته المؤثرة حول “الركود المزمن”، افترض وزير الخزانة الأميركي السابق لورانس سامرز أن أسعار الفائدة الحقيقية (المعدلة حسب التضخم) ستظل منخفضة إلى أجل غير مسمى، بسبب عوامل مثل التغيرات الديموغرافية السلبية، وضعف نمو الإنتاجية، والطلب العالمي الضعيف المزمن.

واقتصاديون آخرون، مثل بول كروغمان وأوليفييه بلانشارد (كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي)، رأوا أن هذا الركود المزمن يحمل جانباً إيجابياً، إذ تسمح أسعار الفائدة المنخفضة للحكومات باستخدام السياسة المالية بشكل أكثر جرأة دون القلق المفرط بشأن التكلفة. وكان الاعتقاد السائد أن النمو الاقتصادي الطبيعي سيؤدي إلى زيادة الإيرادات الضريبية بما يكفي لتغطية تكاليف خدمة الدين الوطني، حتى لو ارتفعت تدريجياً.

وفي ظل هذه النظرة المتفائلة، ذهب بعض الاقتصاديين — بمن فيهم مؤيدو نظرية النقد الحديثة — إلى أن المخاطر الناتجة عن العجز المالي الكبير ضئيلة حتى في أوقات النمو القوي. وقد تبنّى هذا الرأي سياسيون تقدميون مثل ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز وبيرني ساندرز، معتبرين أن الإنفاق بالعجز وسيلة منخفضة التكلفة لتمويل الاستثمارات الاجتماعية، بما في ذلك حماية المناخ وتقليص الفجوة في المساواة.

أزمة ديون أميركية بحجم قرن لم تعد بعيدة المنال.

ومع ذلك، لم يكن الديمقراطيون موحدين تماماً حول نهج يعتمد على الدين. فحتى مع إنفاقه بعجز كبير لتمويل أولويات تقدمية، أوضح بايدن أنه يأمل على المدى الطويل في تغطية التكاليف من خلال زيادة الضرائب، وربما كان سينجح في ذلك لو امتلك أغلبية ديمقراطية أكبر في مجلس الشيوخ.

في المقابل، استمرت الإدارات الجمهورية في الترويج لفكرة أن العجز في الميزانية لا يهم إذا استُخدم لتمويل تخفيضات ضريبية، لأن النمو الأعلى سيحوّل العجز إلى فائض مع مرور الوقت. ورغم أن هذا الادعاء كان يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه مبالغ فيه، فإن الرأي العام — بما في ذلك في وول ستريت — كان يرى أن أسعار الفائدة المنخفضة جداً ستنقذ الموقف حتى لو لم يتحقق النمو الإضافي المأمول من التخفيضات الضريبية.

ومع تسييس نقاشات الدين، تم تجاهل أو تهميش الاقتصاديين الذين شككوا في فرضية “الأسعار المنخفضة إلى الأبد”. لكن أي شخص نظر إلى التاريخ الطويل لتقلبات أسعار الفائدة كان سيدرك أن العودة إلى المعدلات المرتفعة احتمال واقعي، بل مرجّح.

خذ مثلاً سعر الفائدة على سندات الخزانة الأميركية لأجل عشر سنوات والمربوطة بالتضخم، والتي تُستخدم غالباً كمقياس للفائدة الحقيقية في الاقتصاد. فقد انخفض هذا المعدل بنحو ثلاث نقاط مئوية بين سبتمبر 2007 وسبتمبر 2012، وهو انهيار لا يمكن تفسيره فقط بعوامل بطيئة مثل التراجع الديموغرافي أو ضعف الإنتاجية. والتفسير الأكثر منطقية هو التأثيرات الممتدة للأزمة المالية العالمية وما تلاها. وكما هو الحال مع الأزمات السابقة، فإن هذه التأثيرات تنتهي في النهاية، وكان من المعقول توقع نهاية عصر أسعار الفائدة المنخفضة جداً.

صحيح أن بعض العوامل التي ساهمت في انخفاض أسعار الفائدة لا تزال قائمة، مثل شيخوخة السكان في معظم الدول المتقدمة. لكن هناك أسباب كثيرة تدعو للاعتقاد بأن أسعار الفائدة طويلة الأجل ستظل مرتفعة لفترة طويلة.

أبرز هذه الأسباب هو الانفجار العالمي في الدين الحكومي، مما يضغط على أسعار الفائدة الأميركية في عالم تتكامل فيه أسواق رأس المال. فعلى سبيل المثال، ارتفع متوسط نسبة الدين الصافي إلى الناتج المحلي الإجمالي في دول مجموعة السبع من 55٪ عام 2006 إلى 95٪ اليوم. والولايات المتحدة ليست الأسوأ: فاليابان تبلغ نسبة دينها الصافي إلى الناتج المحلي 134٪ (أما الدين العام الإجمالي فهو مذهل، 235٪). وفي إيطاليا، النسبة 127٪؛ فرنسا 108٪؛ والولايات المتحدة 98٪.

وهناك عوامل أخرى تضغط على أسعار الفائدة، منها صعود الأحزاب الشعبوية في عدة دول، والتي تطالب بزيادة الإنفاق المحلي؛ الشهية الهائلة للذكاء الاصطناعي للطاقة، مما يولّد طلباً ضخماً على الاستثمار يجب تمويله؛ الحروب التجارية وتفكك التجارة العالمية، مما يدفع الشركات إلى إعادة توطين الإنتاج عبر اقتراض ضخم؛ والتكاليف المتزايدة للتكيف مع تغير المناخ والاستجابة للكوارث المناخية.

ورغم أن بعض الاقتصاديين بدأوا يعيدون النظر في الافتراضات المغرية التي سادت في العقد الماضي، فإن واشنطن لا تظهر أي علامات على ذلك. ومع ارتفاع أسعار الفائدة، ومستويات الدين المرتفعة بالفعل، والاضطرابات السياسية، والتحديات التي تواجه استقلالية الاحتياطي الفيدرالي، فإن خطر حدوث صدمة اقتصادية جديدة قد تؤدي إلى انهيار أوسع بات حقيقياً.

القمع الكبير

السؤال الذي تبلغ قيمته 37 تريليون دولار الآن هو: كيف ومتى يمكن أن تنفجر أزمة ديون في الولايات المتحدة؟
في أحد السيناريوهات، يكون المحفّز انهيار ثقة المستثمرين في سندات الخزانة الأميركية — ما وصفه جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لـ JPMorgan Chase، في مايو بـ “شرخ في سوق السندات” — أي ارتفاع مفاجئ في أسعار الفائدة يكشف عن مشكلة أعمق. وهذا ليس مبالغة كما قد يبدو، فالأزمات المالية غالباً ما تتراكم بهدوء لسنوات قبل أن تنفجر بشكل مفاجئ.

في سيناريو آخر، قد تؤدي مخاوف المستثمرين المتزايدة بشأن سلامة أموالهم إلى ارتفاع تدريجي في عوائد سندات الخزانة على مدى شهور أو حتى سنوات.

صحيح أن ارتفاع أسعار الفائدة لا يُعد أزمة بحد ذاته، لكن إذا كان مدفوعاً بمخاوف من الدين، فإنه سيؤدي إلى انخفاض أسعار الأسهم والعقارات، ويجعل الاستثمار التجاري أكثر صعوبة، ويرفع تكلفة خدمة الدين الحكومي.

وإذا حدث هذا تدريجياً، سيكون لدى الحكومة وقت للرد. لكن إذا لم تتخذ إجراءات حاسمة — مثل سد العجز في الميزانية والالتزام الجاد بالانضباط المالي — فإن الأسواق ستشم رائحة الخطر، وترتفع أسعار الفائدة أكثر، وتضطر الحكومة إلى تعديلات أكبر لتثبيت الوضع.

وطالما بقيت البلاد عالقة في هذا “المطهر المالي” من أسعار الفائدة المرتفعة، فإن ثقة الشركات والمستهلكين ستبقى منخفضة، والنمو الاقتصادي سيتوقف.

الحل الأميركي المعتاد — وهو زيادة العجز في الميزانية — قد يرتد بنتائج عكسية ويؤدي إلى ارتفاع أكبر في أسعار الفائدة. وللهروب من هذا الوضع دون اللجوء إلى إجراءات تقشف قاسية، من المرجح أن تلجأ الحكومة إلى خيارات غير تقليدية، غالباً ما تُرتبط بالأسواق الناشئة.

أحد هذه الخيارات هو أن تتخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها بشكل قانوني. وقد حدث ذلك سابقاً.
ففي عام 1933، ألغى الرئيس فرانكلين روزفلت ما يُعرف بـ “بند الذهب” في ديون الخزانة الأميركية، والذي كان يضمن للدائنين إمكانية استلام مدفوعاتهم بالذهب بدلاً من الدولار، بسعر 20.67 دولار للأونصة.

وفي العام التالي، تم تعديل سعر التحويل إلى 35 دولاراً للأونصة، مما أدى إلى خفض قيمة العملة بشكل حاد.

وفي قضية مثيرة للجدل، حكمت المحكمة العليا عام 1935 بأن إلغاء بند الذهب يُعد تخلفاً عن السداد، لكنها — تحت ضغط سياسي هائل من الرئيس — قررت في الوقت نفسه أن الدائنين لا يستحقون تعويضاً لأن “ضرراً لم يقع”.

هل حقاً؟ بالنسبة للبنوك المركزية الأجنبية التي كانت تحتفظ بسندات الخزانة الأميركية على أساس أنها تعادل الذهب، كان ذلك التخلف مؤلماً للغاية.

بالنظر إلى أن الولايات المتحدة يمكنها طباعة الدولارات بدلاً من رفض سداد ديونها، فإن خياراً أبسط هو استخدام التضخم العالي لتحقيق تخلف جزئي عن السداد.

بالطبع، استقلالية الاحتياطي الفيدرالي تُعد عقبة كبيرة أمام هذا الخيار، لكنها ليست مستعصية في حالة أزمة حقيقية.

فاستقلالية الفيدرالي ليست منصوصاً عليها في الدستور، وللرئيس وسائل متعددة لدفعه نحو خفض أسعار الفائدة.

أولها هو تعيين رئيس للفيدرالي يؤمن بأن من مصلحة البلاد خفض الفائدة بشكل جذري، حتى لو أدى ذلك إلى التضخم.

لكن لهذا الحل حدود، منها أن رئيس الفيدرالي يخدم لمدة أربع سنوات، وقد أشارت المحكمة العليا في حكم صدر في مايو إلى أن الرئيس لا يمكنه إقالته بسبب خلافات في السياسات.

علاوة على ذلك، يرأس رئيس الفيدرالي لجنة السوق المفتوحة، التي تضم سبعة محافظين في واشنطن، ورئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، وأربعة ممثلين متناوبين عن البنوك الإقليمية الـ11 الأخرى. وتدوير هذه المناصب يتم ببطء؛ فمدة ولاية المحافظ تصل إلى 14 سنة، ومن المتوقع أن يُفتح منصب واحد فقط في عام 2026.

ومع تعاون الكونغرس، يمكن للرئيس أن يفعل أكثر من ذلك.

على سبيل المثال، يمكن للكونغرس أن يمنح وزارة الخزانة سلطة تحديد هدف سعر الفائدة قصير الأجل للفيدرالي في حالة طوارئ وطنية، بما في ذلك أزمة ديون — وهو ما حدث تقريباً خلال الحرب العالمية الثانية وما بعدها مباشرة.

كما يمكنه “تكديس” مجلس الاحتياطي الفيدرالي بأعضاء جدد، كما هدد روزفلت أن يفعل مع المحكمة العليا في الثلاثينيات.

معركة بهذا الحجم بين الفيدرالي والرئيس ستأخذ البلاد إلى منطقة مجهولة.

لكن حتى لو رضخ الفيدرالي وخفض الفائدة بشكل حاد، فإن التضخم ليس بطاقة الخروج المجانية كما يعتقد البعض.

فموجة تضخم ضخمة جداً — مثل تلك التي حدثت في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى — قد تمحو الدين الحكومي من السجلات، لكنها ستمحو الاقتصاد أيضاً: اسأل مواطني فنزويلا وزيمبابوي الذين عانوا من تضخم مفرط كارثي في هذا القرن.

والأكثر واقعية هو سيناريو تضخم على غرار السبعينيات — ففي عام 1979، بلغ التضخم في الولايات المتحدة أكثر من 14٪ سنوياً — مما سيؤدي إلى انهيار قيمة السندات طويلة الأجل، لكنه سيكون أقل تأثيراً على الديون قصيرة الأجل، التي ستُعاد تمويلها بأسعار فائدة أعلى.

ومثل هذا الارتفاع المطوّل سيكون على الأرجح مدمراً للاقتصاد الأميركي والعالمي على حد سواء.

القمع المالي الكبير
إحدى الطرق لإدارة آثار التضخم هي استخدامه بالتوازي مع القمع المالي. في هذه الاستراتيجية، تقوم الحكومات بإدخال الدين العام إلى القطاع المالي عبر البنوك وصناديق التقاعد وشركات التأمين، بينما يشتري البنك المركزي عادة كميات ضخمة من هذا الدين.

من خلال خلق سوق ضخمة “أسيرة” للدين العام، تستطيع الحكومة خفض سعر الفائدة الذي تدفعه وتقليل احتمالات هروب مفاجئ من سنداتها. ويمكن تعزيز فعالية القمع المالي عبر تقييد الأصول الأخرى التي يمكن للناس امتلاكها أو فرض ضوابط على أسعار الفائدة.

هذا ليس أمراً غريباً كما يبدو، فالحكومات حول العالم استخدمت القمع المالي طوال معظم التاريخ الحديث. بعد الحرب العالمية الثانية، اعتمدت الحكومات بشكل كبير على القمع المالي لتضخيم اقتصاداتها والخروج من ديون عامة ضخمة.

فلو لم يُستخدم القمع المالي، لكان الدين الأميركي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي قد استمر في الارتفاع بين عامي 1945 و1955؛ لكن بدلاً من ذلك، انخفض بأكثر من 40٪. وفي بعض الدول، مثل المملكة المتحدة، كانت النتائج أكثر دراماتيكية.

اليوم، تُستخدم هذه الاستراتيجية على نطاق واسع في الأسواق الناشئة، لكن أوروبا لجأت إليها أيضاً للحفاظ على تماسك اليورو خلال أزمة الديون الأوروبية، أما اليابان فقد استخدمتها على نطاق أكبر؛ إذ يحتفظ بنك اليابان وحده بديون حكومية تعادل تقريباً 100٪ من دخل البلاد.

منذ الأزمة المالية العالمية، اتبعت الولايات المتحدة أيضاً بعض مظاهر القمع المالي من خلال تنظيمات مالية وشراء الاحتياطي الفيدرالي لسندات الخزانة طويلة الأجل. وفي حال الضرورة، يمكنها فعل المزيد.

القمع المالي يكون فعالاً بشكل خاص في بيئة تضخم مرتفع، حيث تدفع الأسواق عادةً أسعار الفائدة على الدين الحكومي إلى الأعلى.

لكن من جهة أخرى، يؤثر القمع سلباً على النمو طويل الأجل لأنه يمتص التمويل البنكي الذي كان يمكن أن يذهب إلى شركات مبتكرة في القطاع الخاص.

استخدام القمع المالي للتعامل مع الدين المرتفع ليس السبب الوحيد وراء الأداء الاقتصادي الضعيف لليابان خلال العقود الماضية، لكنه بالتأكيد أحد الأسباب الرئيسية.

فدوامة تضخمية قد تدفع الاقتصاد إلى “عقد ضائع”، كما حدث في اليابان.

وكما أظهرت التجربة اليابانية، فإن القمع المالي لا يُعد حلاً سحرياً للولايات المتحدة. فهو يعمل فقط على المدخرين المحليين والمؤسسات المالية التي لا تستطيع بسهولة تجنب الضريبة الضمنية على مدخراتهم ودخولهم.

وإذا استخدمته واشنطن على نطاق واسع، فإن المستثمرين الأجانب — الذين يمتلكون حالياً نحو ثلث الدين الأميركي — قد يحاولون الهروب، ولن يكون من السهل منعهم دون اللجوء إلى التخلف الصريح عن السداد.

علاوة على ذلك، تعتمد الولايات المتحدة بشكل كبير على قطاعها المالي لدفع اقتصادها الابتكاري الفائق. وكما أن تكلفة التضخم تقع بشكل أكبر على الأفراد ذوي الدخل المنخفض، فإن آثار القمع المالي تؤثر عليهم أيضاً، بينما يتمكن الأثرياء من التحايل عليها.

إلى جانب التخلف عن السداد، والتقشف، والتضخم، والقمع المالي، يظهر خيار جديد محتمل للتعامل مع الدين المرتفع، لم تُفهم تكاليفه وفوائده بالكامل بعد.

هذا الخيار يتمثل في نوع من العملات الرقمية يُعرف بـ “العملات المستقرة الدولارية”.

وعلى عكس العملات الرقمية التقليدية مثل بيتكوين، التي تتقلب قيمتها بشكل كبير، فإن العملات المستقرة مربوطة بالدولار، عادةً بنسبة واحد إلى واحد.

وقد أقر الكونغرس الأميركي في عام 2025 تشريعاً جديداً يهدف إلى وضع إطار تنظيمي واضح، يُلزم العملات المستقرة الدولارية الصادرة داخل الولايات المتحدة بالاحتفاظ بمزيج من ديون الخزانة وودائع مصرفية مضمونة فدرالياً، تكفي تقريباً لسداد جميع حاملي العملات في حال حدوث أزمة سحب جماعي.

هذا الشرط قد يخلق تجمعاً “أسيراً” من العملات المستقرة التي يحتفظ مُصدروها بكميات كبيرة من سندات الخزانة.

وبما أن العملات المستقرة تنافس على الأموال التي كانت ستُودع في البنوك، فإنها توفر طريقاً خلفياً لتحويل ودائع البنوك إلى ديون حكومية.

حتى الآن، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان هذا التشريع الجديد سيعزز الاستقرار أو يقوّضه، نظراً لوجود عدد من القضايا غير المحسومة، مثل خطر السحب الجماعي من العملات المستقرة، وكيفية مراقبة تداولها لمنع استخدامها في الجرائم أو التهرب الضريبي.

من حيث المبدأ، يمكن للاحتياطي الفيدرالي أيضاً إصدار عملته المستقرة الخاصة، أو ما يُعرف بالعملة الرقمية للبنك المركزي.

وهذه أيضاً ستنافس ودائع البنوك وتوجه المدخرات نحو الدين الحكومي، ما لم تُستخدم هذه الأموال لاحقاً في الإقراض للقطاع الخاص، وهي عملية قد تخلق مشاكلها الخاصة.

وستختلف العملة الرقمية للفيدرالي عن العملات المستقرة الخاصة في نواحٍ مهمة؛ فهي ستكون مدعومة رسمياً بثقة الحكومة الأميركية، ومن المفترض أن يكون تتبع استخدامها أقل إثارة للقلق.

من جهة أخرى، من المرجح أن تكون العملات المستقرة الخاصة أكثر ابتكاراً.

ورغم أن أياً من الخيارات المتاحة للتعامل مع الدين غير المستدام لا يبدو جذاباً، إلا أنه من الضروري أن تبدأ الحكومة في التفكير الجاد بها.

فواشنطن لا تحتاج فقط إلى الاستعداد للصدمة الاقتصادية المقبلة، بل يجب على السياسيين وصناع السياسات أن يدركوا ما الذي سيحدث إذا استمرت الحكومة في افتراض أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تواجه أزمة ديون.

بالطبع يا سهیلی، إليك ترجمة هذا النص التحليلي إلى العربية بأسلوب متماسك وواضح، مع الحفاظ على دقة المعنى والسياق الاقتصادي والسياسي:

نهاية إمبراطورية

لفترة طويلة، كان النهج السائد في واشنطن هو تجاهل مشكلة الدين العام الهائل، والاعتماد على أمل بعودة مستويات نمو خارقة وأسعار فائدة منخفضة لحلها.

لكن الولايات المتحدة تقترب الآن من نقطة قد يُقوّض فيها الدين الوطني ليس فقط استقرارها الاقتصادي، بل أيضاً المقومات التي دعمت قوتها العالمية لعقود طويلة، بما في ذلك الإنفاق العسكري الذي استُخدم بطرق متعددة للحفاظ على النفوذ القوي للدولار في النظام المالي العالمي منذ الحرب العالمية الثانية.

سواء في حالة إسبانيا في القرن السادس عشر، أو هولندا في القرن السابع عشر، أو المملكة المتحدة في القرن التاسع عشر، لم تتمكن أي دولة في التاريخ الحديث من الحفاظ على عملة مهيمنة دون أن تكون أيضاً قوة عظمى.

قد تتجنب الولايات المتحدة أزمة ديون، وقد يكون الاقتصاديون الترامبيون والتقدميون الذين يعوّلون على أن عوائد النمو ستتفوق في النهاية على تكاليف الفائدة محقّين.

لكن السياسة المالية التي انتهجها الحزبان الجمهوري والديمقراطي خلال ربع القرن الأول من القرن الحادي والعشرين تُعد مقامرة ضخمة على احتمالات ضعيفة، خصوصاً إذا كانت البلاد تطمح إلى البقاء قوة مهيمنة لبقية هذا القرن وما بعده.

وبالنظر إلى المسار الحالي للعجز المالي، أصبح من الصعب جداً الحفاظ على الاعتقاد بأن الدين الأميركي، مهما ارتفع، لن يؤثر على قدرة البلاد في مواجهة الأزمات المالية، أو الجوائح، أو الكوارث المناخية، أو الحروب.

ومن المؤكد أنه سيُثقل كاهل النمو الاقتصادي الأميركي.

من المستحيل التنبؤ بكيفية ومتى قد تنفجر أزمة ديون أميركية، وما ستكون عليه تداعياتها: تقشف قاسٍ، تضخم مرتفع، قمع مالي، تخلف جزئي عن السداد، أو مزيج من هذه السيناريوهات.

وهناك أسباب قوية للاعتقاد بأن التضخم سيلعب دوراً بارزاً، كما حدث في سبعينيات القرن الماضي.

وعلى أي حال، فإن أزمة ديون ستكون مزعزعة للاستقرار — ليس فقط للولايات المتحدة، بل للاقتصاد العالمي، ولمكانة الدولار كعملة احتياطية.

وإذا تُركت دون معالجة، فقد تُضعف موقع الولايات المتحدة في العالم.

كينيث س. روغوف هو أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد وزميل أول في مجلس العلاقات الخارجية.
شغل منصب كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي بين عامي 2001 و2003، وهو مؤلف كتاب دولارنا، مشكلتكم: نظرة من الداخل على سبعة عقود مضطربة من التمويل العالمي، والطريق إلى الأمام.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *