خطة إسرائيلية–أمريكية مدروسة لنزع سلاح حزب الله

 حیدر سهیلی الإصفهاني

ما يجري اليوم في لبنان ليس معادلة معقدة أو لغزًا غريبًا يستعصي على الفهم، بل هو أمر واضح المعالم. إسرائيل والولايات المتحدة تعاملتا مع كل من يخالفهما في

المنطقة بقسوة مفرطة:

  • يهاجمون غزة وكأنها مرحلة من مراحل لعبة “الزومبي”؛ كلما قتلت أكثر ودمّرت أكثر، حصدت امتيازات وانتقلت إلى مرحلة متقدمة. لا وجود لأبرياء في نظرهم، فهؤلاء مجرد “زومبي” يجب القضاء عليهم، وكل ذلك باسم “حقوق الإنسان” و”مكافحة الإرهاب”.
  • يشنّون غارات على اليمن بطائرات وصواريخ، يقتلون ويدمّرون بدم بارد. لماذا؟ لأنهم يرون في اليمنيين “زومبي إرهابيين”، كبارًا وصغارًا. اقتل الصغير قبل أن يكبر ويتحوّل إلى “زومبي إرهابي كبير”. هذا هو منطقهم السائد.
  • هاجموا إيران رغم أنها كانت مفتاحًا للسلام علی صعید المنطقة. دخلوا مفاوضات متقدمة وافقت فيها إيران على خفض نسبة التخصيب إلى 3٪ فقط، بعد أن كانت عند 60٪، بل وقبلت أن يكون التخصيب تحت إشراف أمريكي وبمشاركة دول مثل الإمارات وقطر والسعودية، شرط أن يتم على الأراضي الإيرانية. وهذا منطقي، فهناك منشآت نووية قائمة يمكن أن تتحول إلى صناعة رابحة للجميع. 

 لكن فجأة، اندلعت حرب إسرائيلية–أمريكية ضد إيران، وتدخلت الولايات المتحدة مباشرة، ليتضح أن المفاوضات لم تكن سوى خدعة لضمان عدم إستعداد إيران لمواجهة الهجوم. قُتل خلالها كبار قادة القوات المسلحة الإيرانية، وعلماء في الفيزياء النووية، وحشود من الأبرياء و رأينا ما حدث.

 اليوم، بقي حزب الله وحيدًا، محاصرًا من كل الجهات، وتُطالب منه جهات دولية ومحلية بنزع سلاحه ليعمّ “السلام” ويعيش لبنان في “رخاء غير مسبوق”، ویعيش الشيعة كغيرهم من اللبنانيين في “أمان ورفاهية”. هذا ما يروّج له الإعلام الغربي وأتباعه في الداخل اللبناني: أن كل مشاكل لبنان سببها حزب الله، وأنه إذا زال، سيصبح لبنان “قبرص الجنوبية” أو جزيرة سياحية في المحيط الأطلسي!

 لكن التجربة واضحة: إذا نُزع سلاح حزب الله، سيصبح فريسة سهلة، ولن تُترك حاضنته الشيعية آمنة. ستتغلغل إسرائيل برًا وجوًا لإنهاء وجود الحزب، وسيتحوّل جنوب لبنان إلى “غزة من الطراز الأول”، وربما أسوأ.

 ما هي خطة إسرائيل؟

 أولًا وأخيرًا: نزع سلاح حزب الله، ليصبح فريسة مشلولة، تُفعل بها إسرائيل ما تشاء. لدينا نموذج حي في هجوم قوات أحمد الشرع على الساحل السوري وما ارتكبوه من مجازر. أما في الجنوب، فهذه مجرد تمارين بسيطة. الخطة هي استمرار التدمير الممنهج الذي بدأ بالحرب، وسيستمر بعد نزع السلاح، ليشمل البيوت والنساء والأطفال، وتهجيرًا جماعيًا، أو إسكان مرتزقة أنطوان لحد الذين يعيشون اليوم في إسرائيل، ليسكنوا بيوت حزب الله في الضاحية ومناطق أخرى. مهمتهم: منع تكرار تجربة المقاومة داخل الطائفة الشيعية.

 لكن هذا لن يحل المشكلة نهائيًا، فستولد بذور مقاومة جديدة، ثم حرب شوارع، ثم هجوم على المرتزقة، ثم حرب أهلية شرسة بدافع الانتقام.

مصير الحكومة اللبنانية الجديدة

 تقع على عاتق الحكومة مسؤولية ثقيلة: أن تبرّئ نفسها من أي تواطؤ إذا وقع مكروه، لا قدّر الله. إذا وصل الأمر إلى “صبرا وشاتيلا جديدة”، ستكون الحكومة ومن يرأسها، والدولة ومن يقودها، في الصف الأول من المتهمين بالتواطؤ وتمهيد الأرض للعدوان. سيسجّلهم التاريخ في خانة واحدة مع المحتلين، وسيلاحقهم العار إلى الأبد.

 هذه أولى مسؤوليات الحكومة: أن تحمي نفسها من هذا المصير.

 ما الذي يجب فعله؟

 على الحكومة اللبنانية ورئيس الدولة أن:

  1. تشكر المقاومة رسميًا على ما قدّمته للبنان. عدم حضورهم في جنازات الشهداء كان تصرفًا صبيانيًا بعيدًا عن الاحترافية.
  2. تفاوض المقاومة بشأن مستقبلها لبنانيًا، دون السماح لأي جهة خارجية بالتدخل.
  3. تكون المفاوضات على أساس دمج المقاومة في صفوف الجيش، لا نزع سلاحها على يد الجيش. لأن ذلك سيخلق شرخًا كبيرًا، وقد يؤدي إلى حرب أهلية دامية، يصبح فيها الجيش هدفًا للمقاومة باعتباره “عميلًا” ساهم في نزع سلاحها وقتل عناصرها بيد الاحتلال.
  4. تفهم أن هناك خطة إسرائيلية لمحو المقاومة من جذورها، لا كمؤسسة سياسية فقط. الضاحية والجنوب مرشحان لأن يتحولا إلى “غزة رقم 2”. الخوف من الحرب لا يجب أن يضعف لبنان. يجب أن يتحوّل الجيش إلى قوة ضاربة تحمي الحدود والمجتمع، لا أن يكون أول الهاربين عند كل توغل إسرائيلي. وجود مقاومة متمرسة ضمن صفوف الجيش سيجعله أقوى بكثير في الدفاع عن الوطن.

 لا يمكن لأحد أن يمحو الطائفة الشيعية أو يجعلها تحت أقدام الطوائف الأخرى كما يتمنى البعض. وإذا حدث ذلك، فلن يطول الزمن حتى نرى انفجارًا ضخمًا في الجنوب يشعل حربًا أهلية شاملة، خاصة إذا سادت ثقافة التخوين.

 إسرائيل عدوة لبنان لأسباب عدة

 إذا نهض لبنان وأصبح “باريس الشرق الأوسط”، سيتأثر الاقتصاد الإسرائيلي المنهار، الذي يعيش على المساعدات والصدقات. الاقتصاديون في إسرائيل يعملون ليلًا ونهارًا لتحقيق شيء من الاستقلالية، ولبنان سيكون منافسهم الأول. العلاقات هنا تحكمها معادلة “رابح–خاسر”: إذا فاز لبنان، خسرت إسرائيل، والعكس صحيح.

 نعم، الساسة الإسرائيليون يتقنون الكذب بكل أشكاله ولغاته، ونحن في الشرق الأوسط أناس بسطاء؛ يرسمون لنا مشهدًا من الجنة على أبواب الجحيم، فنقفز إليه بأرجلنا.

 اليوم، على الحكومة اللبنانية أن تكون ذكية فطنة، تدرك أن هذا الباب، رغم زخرفته، هو باب الجحيم. وإذا استمرت في لعب الأدوار الصبيانية كما فعلت في جنازات الشهداء، فستمهّد لأيام سوداء قادمة، لن يطول انتظارها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *