حیدر السهیلی الإصفهانی

 قلّما تجد في هذه الأيام من لا يعلم أن الدول العربية تستخدم تسميةً أخرى للخليج الجنوبي لإيران، أي الخليج الفارسي، وهي تسمية ‘الخليج العربي’. وعلى الرغم من أن اسم ‘الخليج الفارسي’ هو الاسم الرسمي المعتمد في أمانة منظمة الأمم المتحدة، فإن حتى جامعة الدول العربية تستخدم اسم ‘الخليج العربي’. ومن الطبيعي أن هذا الأمر قد أثار ردود فعل من جانب إيران، وأدى إلى توترات مستمرة، غالبًا ما تُواجه بالاستناد إلى الوثائق التاريخية لإثبات اسم ‘الخليج الفارسي’. وهي محاولة، من وجهة نظر الكاتب، تُعدّ نوعًا من نفي الغرض.”

  في مواجهة هذا المطلب الذي يُعدّ سطحيًا من قبل بعض الدول العربية، اتخذت إيران على الدوام موقفًا دفاعيًا، وقدّمت وثائق تاريخية عديدة لإثبات صحة تسمية “الخليج الفارسي”. وفي المقابل، لجأت بعض الدول العربية إلى التزوير الوثائقي، أو إلى الاستناد إلى مصادر ضعيفة وغير موثوقة، في محاولة لترويج مصطلح “الخليج العربي”. لكن الإشكالية الجوهرية تكمن في مكان آخر: لماذا لم تستطع إيران أن تطرح موقفها بمنطق أقوى يُحسم الجدل؟ السبب، كما يرى الكاتب، يعود إلى أن المسؤولين الإيرانيين لم يسعوا إلى تحليل جذور هذا السلوك العدائي، ولم يخرجوا من الحالة الدفاعية، ولم يبادروا إلى تفكيك خلفيات هذه المؤامرة.

أما السؤال المحوري: هل يوجد أصلًا ما يُسمى بـ”الخليج العربي”؟

الجواب، وفقًا للمصادر التاريخية، هو نعم. هذا الخليج موجود وله خلفية تاريخية ومنطقية، إلا أن المشكلة تكمن في أن هذا الاسم لا علاقة له بالخليج الفارسي. بل هو اسم أُطلق على خليج آخر، وتحديدًا على البحر الأحمر، الذي كان في السابق مغلقًا، وينتهي في منطقة تُعرف اليوم باسم “خليج العقبة” (عربيًا) أو “خليج إيلات” (إسرائيليًا).

الغرب، في توصيفه للمناطق الجغرافية، لا يزال يعتمد على المصطلحات الرومانية، خاصة في محيط البحر المتوسط، ويُفرط في استخدامها. فحتى المدن التي كانت تُعرف في الأدب الروماني باسم “تريپولي”، تُسمى اليوم “طرابلس”، لكن التقليد الروماني لا يزال يُحترم ويُستخدم، خصوصًا من قبل الكنيسة الكاثوليكية. البحر المتوسط، مثلًا، هو مصطلح روماني لا يزال مستخدمًا في اللغة العربية: “البحر الأبيض المتوسط”. وبالمثل، كان البحر الأحمر يُعرف في الأدبيات الرومانية باسم “سينوس أرابيكوس” (Sinus Arabicus)، إلى جانب “ماره روبـروم” (Mare Rubrum)، وهو اسم يوناني دخل الأدب اللاتيني، لكن الاسم الرسمي الروماني كان “سينوس أرابيكوس”، وهو مصطلح معروف لدى السياسيين الأوروبيين.

أما انتقال اسم “الخليج العربي” إلى الخليج الفارسي؛

فقد تم بطريقة بسيطة: بعد تولّي حمد بن عيسى آل خليفة الحكم في البحرين عام 1926، عيّنت بريطانيا مستشارًا له يُدعى السير تشارلز دارليمپل بلگريو (Sir Charles Dalrymple Belgrave)، الذي حكم البحرين فعليًا حتى عام 1957، وكان بمثابة ممثل مباشر للحكومة البريطانية في المنطقة. كانت إحدى مهامه الأساسية منع أي محاولة لعودة البحرين إلى السيادة الإيرانية، وقد عمل على إثارة مشاعر العداء تجاه إيران، مستغلًا خوف شيوخ البحرين السنّة، الذين لا ينحدرون من أصول بحرينية، من النفوذ الإيراني.

في تلك الفترة، لم يكن العرب يعرفون مصطلح “الخليج العربي”، حتى في سياق البحر الأحمر. وتشير شهادات متعددة إلى أن القادة العرب في جنوب الخليج كانوا يعرفون فقط اسم “الخليج الفارسي” خلال مراحل تعليمهم. جمال عبد الناصر، الزعيم المصري الراحل، كان يردد في خطبه شعارًا شهيرًا: “أمة عربية واحدة، من المحيط الأطلسي إلى الخليج الفارسي”. حتى الدولة العثمانية، التي سيطرت لقرون على سواحل العراق والكويت والسعودية، لم تستخدم مصطلح “الخليج العربي”، بل كانت تسميه “خليج البصرة” في سياق مواجهتها مع إيران.

ومع ذلك، لم يتردد بلگريو في الادعاء بأن “العرب يفضلون تسمية الخليج الفارسي بالخليج العربي”. وبحسب الباحث بول ريتش، في كتابه “خلق الخليج العربي” (The Creating of Arabian Gulf) الصادر عام 2009، فإن بلگريو هو أول من استخدم هذا المصطلح في وصف الخليج الفارسي. ولا توجد أدلة تبرئ هذا المسؤول البريطاني من تهمة إشعال الفتنة بين الإيرانيين والعرب، رغم عدم وجود ما يثبت أن ذلك كان سياسة رسمية لبريطانيا. بل إن بلگريو نفسه اضطر إلى استخدام مصطلح “الخليج الفارسي” في مقالاته الرسمية، ومنها مقال نُشر في مجلة الجمعية الملكية لآسيا الوسطى عام 1968 بعنوان “الخليج الفارسي: الماضي والحاضر”. ولا تزال الحكومة البريطانية حتى اليوم تستخدم مصطلح “الخليج الفارسي”.

ومع ذلك، فإن هذه الفتنة وجدت بيئة خصبة، واستمرت في الاشتعال حتى يومنا هذا.

أما في ما يتعلق بالدعاية والتزوير، فثمة اتهام شائع بأن انسحاب بريطانيا من الخليج، وظهور إيران كقوة إقليمية، دفع وزارة المستعمرات البريطانية إلى إشعال فتنة بين العرب وإيران. ويُعتقد أن بريطانيا، بعد أن رأت نجاح مؤامرة بلگريو، تراجعت عنها لتبقى بمنأى عن الاتهامات، وهو أسلوب تكرر في سياسات بريطانيا الاستعمارية.

من الواضح أن غياب التفاهم بين العرب والفرس، بسبب خلافات سطحية، حال دون إحياء مشروع حضاري مشترك. حتى النزاع حول الجزر الثلاث كان يمكن حله عبر إنشاء سوق حرة في الخليج، تُشارك فيها الدول المعنية. لكن بقايا الاستعمار، والعداء المتبادل، حالا دون ذلك، ودفعا الطرفين إلى إضعاف بعضهما البعض.

و بناءً على ما سبق، ومع وجود أدلة واضحة على دور بلگريو في الترويج لمصطلح “الخليج العربي”، فإن قبول هذا الاتهام ليس بالأمر المستبعد، حتى لو لم تُعلن بريطانيا رسميًا تبنيها لهذا النهج.

في بدايات المد القومي العربي بقيادة جمال عبد الناصر، لم يكن هناك عداء تجاه إيران، بل كان التركيز على مواجهة إسرائيل. وفي تلك الفترة، كان في القاهرة شارع يُسمى “الخليج الفارسي”، قبل أن يُعاد تسميته لاحقًا. لكن مع تصاعد الخلاف بين ناصر والسعودية، ودخول مصر في حرب اليمن، ووقوف شاه إيران إلى جانب السعودية، بدأ ناصر يتخذ مواقف عدائية تجاه إيران.

بعد الثورة الإيرانية، تصاعدت الفتنة، ووجدت في الحرب الإيرانية العراقية أرضًا خصبة. وقد أنفقت السعودية والإمارات والعراق مبالغ طائلة على تزوير الوثائق وترويج الخرائط التي تُظهر الخليج الفارسي باسم “الخليج العربي”، رغم وجود خرائط أكثر شهرة في مكتبة الكونغرس الأمريكي تُثبت العكس.

ورغم وجود بحر كبير يُسمى “بحر العرب”، لم يكن ذلك كافيًا للقوميين العرب، الذين تجاهلوا أهمية التحالف مع إيران في مواجهة الاستعمار والصهيونية، رغم القواسم الثقافية والدينية المشتركة.

خاتمة:

تستخدم بعض الدول العربية مصطلح “الخليج العربي” للإشارة إلى الخليج الفارسي، دون أن تبحث في أصل هذا الاسم المصطنع. ولو تم التحقق من منشأ هذا المصطلح، لكان بالإمكان فهم خلفياته السياسية والتاريخية. ولولا جهود الباحث بول ريتش، لما عرفنا أن أول من استخدم هذا المصطلح في سياق الخليج الفارسي كان بلگريو، خلال دراسته عن البحر الأحمر. لكن قلّما نجد من يسعى إلى معرفة أن “الخليج العربي” هو في الأصل اسم البحر الأحمر، وأن استخدامه في سياق الخليج الفارسي كان جزءًا من مؤامرة تاريخية مدروسة.

مصادر:

·  Sinus Arabicus – GEOGRAFIE Flüsse, Seen & مقال جغرافي يشرح كيف أطلق المؤرخ اليوناني هيرودوت في القرن الثاني قبل الميلاد اسم “الخليج العربي” على البحر الأحمر، ويبيّن كيف استُخدمت تسميتان مختلفتان للإشارة إلى جزأين منفصلين من هذا البحر.

·  تشارلز بلگريو – ويكيبيديا صفحة تعريفية عن السير تشارلز دارليمپل بلگريو، المستشار البريطاني في البحرين خلال الفترة الاستعمارية، ودوره في صياغة السياسات المحلية والخارجية.

·  العلاقات بين البحرين والمملكة المتحدة – ويكيبيديا عرض تاريخي للعلاقات السياسية والدبلوماسية بين البحرين وبريطانيا، خاصة خلال فترة الانتداب البريطاني.

·  نقل قول من نائب وزير الخارجية الإيراني السابق عن أمير الكويت السابق بشأن الخليج الفارسي – مصدر: آخرین خبر يتضمن تصريحات رسمية تؤكد استخدام مصطلح “الخليج الفارسي” في الخطاب العربي الرسمي، مدعومة بتحليلات الدكتور محمد عجم حول التسمية في الاتفاقيات العربية والقانون الدولي.

·  بالفيديو: عندما أطلق جمال عبد الناصر عليه اسم “الخليج الفارسي” – قناة العالم الإخبارية تسجيلات أرشيفية لخطابات الزعيم المصري جمال عبد الناصر، حيث استخدم مصطلح “الخليج الفارسي” في سياق قومي عربي.

·  خليج البصرة – ويكيبيديا (Basra Körfezi) توثيق تاريخي لتسمية الخليج من قبل الدولة العثمانية بـ”خليج البصرة”، كبديل سياسي لتسمية “الخليج الفارسي”.

·  The Creating of Arabian Gulf – Paul J. Rich كتاب تحليلي صدر عام 2009، يناقش فيه المؤلف بول ريتش نشأة مصطلح “الخليج العربي” واستخدامه السياسي، ويشير إلى دور بلگريو في الترويج له.

·  “Persian Gulf – Past and Present” – Royal Central Asian Journal, Vol. LV, Part I (February 1968) مقال أكاديمي نُشر في مجلة الجمعية الملكية لآسيا الوسطى، يستعرض فيه الكاتب التاريخ الجغرافي والسياسي للخليج الفارسي، ويستخدم التسمية الأصلية.

·  خريطة منشورة في “الأطلس الصغير” عام 1634 من إعداد ميركاتور وهندويس تُظهر الخريطة الخليج وقد كُتب عليه باللاتينية اسم “Sinus Arabicus”، أي “الخليج العربي”، في إشارة إلى البحر الأحمر وليس الخليج الفارسي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *