حیدر سهیلي الإصفهاني

قبل فترة كتبتُ هذا المقال ردًّا على مقال نُشر في موقع الجزيرة، وأصررتُ على نشره هناك. ورغم إلحاحي، رفضت الجزيرة نشره. واليوم، وبعد مرور وقت طويل على كتابته، قررتُ أن أنشره على موقعي الخاص.

نشر موقع الجزيرة خلال أيام سلسلة من المقالات للأستاذ العزيز طارق خميس، تحت عنوان: «الجزيرة نت تنشر ملفًا شاملًا عن محور الممانعة والعلاقة مع طوفان الأقصى». وقد تناولت المقالات مواضيع متعددة، مثل: «إيران.. فكرة المحور وحدودها»، ثم المد الإيراني في العراق وسوريا ولبنان، وصولًا إلى فلسطين، وهكذا.

أنا كاتب إيراني، وأعتذر سلفًا إن لم أكن على مستوى الأدب العربي الرفيع، أو إن كانت معرفتي محدودة بمعايير النشر لديكم. لكنني أرجو منكم أن تتفضلوا بنشر هذه المقالة المتواضعة لكاتب إيراني بسيط، يرغب في تبادل الأفكار مع الأستاذ المحترم طارق خميس.

أثناء قراءتي للمقالات، راودتني عدة أسئلة، وذلك نتيجة لما تعلمته من أستاذي العزيز.
أولها: ما المقصود بكلمة «المشروع» في المنظومة السياسية الإيرانية؟ هل هو مشروع تربوي؟ اقتصادي؟ أم شيء آخر؟
خُيّل إلي أن الأستاذ العزيز يقصد بـ«المشروع» ما يُعرف في الخطاب العربي المناهض لإيران بـ«المشروع الإيراني التوسعي»، وهي عبارة تعود جذورها إلى الآلة الإعلامية البعثية في العراق قبل سقوط النظام، حيث اختُزلت في كلمة واحدة: «المشروع».

من وجهة نظر الكاتب، يبدو أن إيران، خلافًا لبقية الدول، لا تملك شيئًا يُسمى «المصالح القومية» أو «الأمن القومي». وهذا توصيف غريب لدولة خاضت حربًا طاحنة استمرت ثماني سنوات ضد نظام قومي بعثي، تبنّى مشروعًا معلنًا بُني على العداء مع «عدو مجوسي» يُراد له أن يُبيد الأمة العربية. وقد جرت آنذاك محاولة خجولة لاستبدال كلمة «الشيعة» بكلمة «المجوس»، وهي عبارة لم تكن مألوفة حتى لدى المثقفين الإيرانيين.

أشكر زميلي على شجاعته في استخدام كلمة «الشيعة» بوضوح، خلافًا للبعثيين الذين أثاروا تساؤلًا كبيرًا بين الإيرانيين: «ما هو المجوس؟» وليس «من هو؟».

راودتني نكتة ساخرة، أكتبها ضاحكًا: لو كان رجال الدين في طهران يمتلكون هذه القدرة على بناء مشاريع بهذا الحجم، فليتفضلوا ببناء مشروع اقتصادي متين، أو على الأقل يثبتوا مسمارًا في الحائط ليمنع عملتنا المحلية من التراقص مع كل نغمة موسيقية تُبث من هنا وهناك، أو من التطاير مع كل نسيم يهب علينا من أي مكان.

طوال حياتي، لم أرَ أضعف من رجال الدين في بناء المشاريع. كانت لديهم مشاريع للصلاة، فتُركت الصلاة بين الناس. ومثلها للصوم، والحجاب، فكانت النتيجة تراجعًا في الالتزام بها.

ثانيًا: تعلمت من أستاذنا أن لإيران مشاريع توسعية في العراق وسوريا وغيرها من المناطق القريبة والبعيدة. لكن تبادر إلى ذهني أن الكاتب ربما يرى في وجود القوات الأميركية على بعد أميال قليلة من الحدود الإيرانية، في قواعد ضخمة، مجرد محاولة لصد هذه المشاريع «المدمرة» التي تهدد الأمن والازدهار في المنطقة.

أي أن قوة عظمى جاءت من أقصى العالم لتنقذ المنطقة من «الأيادي الإيرانية الخبيثة» التي تهدد أمن الشرق الأوسط. ربما أكون قاسيًا إن نسبت هذا الاستنتاج إلى زميلي العزيز، لكنني لا أجد نتيجة عقلية أخرى، وأرجو منه المعذرة على صراحتي.

ربما يمكنني تخفيف هذا الاستنتاج قليلًا، فأقول إن للولايات المتحدة مصالح، ولإيران مشروع إقليمي يتناقض مع تلك المصالح.

هل من القسوة أن يطلب الجانب الإيراني عدم وجود قواعد أجنبية على مسافة قصيرة من حدوده وفي دول الجوار؟ نحن نعلم، وهم يعلمون، أن هذه القواعد موجهة ضد إيران.

حين أطوي صفحات التاريخ الحديث لبلادي، لا أجد يومًا خاليًا من تدخل قوة استعمارية ضد أمننا وأرضنا وكل ما نحب ونملك من حياة كريمة، ولقمة عيش تسد جوعنا، وأمان يضمن لنا نومًا هادئًا بلا أصوات القنابل والصواريخ.

قصة فلسطين أو غزة ليست سوى فصل صغير من سلسلة طويلة من القصص التي يرويها لنا المد الاستعماري في منطقتنا، وكانت إيران من ضحاياها، إلى جانب آخرين، على مدى القرون الثلاثة الأخيرة.

أطلب من الكاتب أن ينظر إلى الخريطة، وستقول له إن بلادي محاصرة من الجنوب والغرب، ومن الشرق قبل مجيء طالبان بدعم إيراني، بقواعد أميركية عديدة تحتضن قوات من الولايات المتحدة والدول الغربية، بل وحتى إسرائيل. ونرى تأثيرهم في حياتنا اليومية، كما كنا نرى القوات البريطانية في عهد الاستعمار المباشر قبل مئة عام فقط.

هل ننام بهدوء وكأن شيئًا لم يحدث، بينما في مطار أربيل غرفة عمليات إسرائيلية تُدار بأيدي أكراد يتقنون الفارسية ويسترقون السمع من كل مصدر صوت يصدر من مراكز القرار لدينا؟ وحين نعترض على هذا «الشيء»، يُقال لنا: «هذه مجرد أساطير الأولين»!

هل ننام بأيدٍ وأرجل مفتوحة، وأصوات الشخير تتعالى، بينما وفد إيراني برئاسة قاسم سليماني، خرج من مطار بغداد في دعوة رسمية من رئيس الوزراء العراقي آنذاك، يتحول إلى ركام بصواريخ قاعدة أميركية تقع على بضع كيلومترات من المطار؟ وفي يد رئيس الوفد رسالة من أعلى السلطات الإيرانية توضح فيها موقف النظام من العلاقات الإيرانية-السعودية؟
ذهبت أرواح عراقية مع أعضاء الوفد، وضاعت كرامة البلد المضيف، واتفاقية جنيف المقدسة، وكأن شيئًا لم يكن.

الله عليكم، لو كانت طائرة سليماني قد هبطت في مطار جدة بدعوة غير رسمية من الأمير تركي الفيصل، الرئيس السابق للاستخبارات السعودية، وحدث ما حدث، ماذا كانت ستفعل السلطات السعودية؟
ومع جنازة سليماني، أشلاء متبقية من رفات تركي الفيصل – لا سمح الله – وأنا أتمنى له حياة طويلة وسعيدة.

قبل سنوات، في عهد بيل كلينتون وجورج بوش الأب والابن، هل مرّ يوم لم تتحدث فيه الإدارة الأميركية عن احتمال شن هجوم مباغت على إيران، والإطاحة بنظامها، واستبداله بمعارضة مفبركة في دهاليز الحكم بواشنطن؟
وبعد كل هذا التناحر الحاد بيننا وبينهم، هل من المقبول أن نسمع اليوم لهجة متجاسرة تجاه دولة ذات سيادة واحترام؟

تلقيت درسًا ثالثًا من أستاذي العزيز، مفاده أن منطقتنا المنهوبة لا تخضع لمنظومة استعمارية تقليدية عمرها قرنان، تسعى لفرض سيطرتها على مقدّراتنا ومواهبنا كما كان الحال في زمن الاستعمار القديم. بل نعرفها اليوم بطرق جديدة، أكثر لمعانًا، أو على الأقل عبر دول غربية تمرّ بمنطقتنا لفرض هيمنتها وسياساتها علينا. لا، الأمر أعمق من ذلك. هناك نظام دولي منسجم، له شرعية محترمة، تعارضه إيران.

أسأل الأستاذ العزيز: إذا كان هذا النظام الدولي يتدخل لنصرة الشعوب، فلماذا لم يتدخل لإنقاذ مليون رواندي من الموت في حرب قبلية طاحنة، صنعتها أيادٍ غربية حادة الأنياب لابتلاع مواهب رواندا؟ ناهيك عن الوضع في غزة، حيث شعبٌ يحتاج إلى لقمة عيش وجرعة ماء، فيستنجدون بـ”روافض” مثلنا، ونحن نعلم جيدًا مدى الكراهية التي يُكنّها البعض لنا كأتباع “الشيعة”.

هل تمثل الولايات المتحدة هذا النظام الدولي؟ أم أوروبا بتاريخها الاستعماري؟ أم إسرائيل التي تتلاعب ببنود القانون الدولي كما لو كانت كرة قدم؟
بالنسبة لنا، هم قوى استعمارية جاءت بأقنعة جديدة. وبالنسبة لغيرنا، دول ذات سيادة ومقاعد في الأمم المتحدة، غزت المنطقة بدافع مصالحها النفطية أو الاستراتيجية، لا أكثر. هم أقل بكثير من أن يمثلوا أحدًا، بالنظر إلى استهتارهم السافر بالقوانين والأعراف والمواثيق الدولية.

أما الدرس الرابع، فقد تعلّمته من أستاذنا أيضًا، وهو أن مشروع إيران “التوسعي” جاء لإضعاف العراق وتحويله إلى دولة هامشية تُستخدم كجسر نحو سوريا، وصولًا إلى لبنان.

لكنني تساءلت: أين كانت إيران في العراق قبل ظهور ما يُسمى بـ”الدولة الإسلامية”؟
نحن نسميهم “فلول حزب البعث العراقي”، لأننا نعرفهم بسيماهم. حين استنجد العراق، حكومة وشعبًا، بالنظام الدولي وطلب المساعدة من الولايات المتحدة وأوروبا وبعض الدول العربية، من الذي لبّى النداء؟
مع أن إيران كانت آخر من طُلب منها التدخل.

حين تقول هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك، إن “داعش” من صنع الولايات المتحدة، وتنتقد الفاعلين بشدة، هل يبقى هناك ما يُقال لتفسير سكوت إدارتها بعد سقوط الموصل؟
هل جاءت إيران من تلقاء نفسها؟ هل نفت الحكومة العراقية أنها طلبت المساعدة من إيران؟ أم أنها شكرتها رسميًا؟
وكذلك حكومة برزاني، هل نفت أنها طلبت المساعدة من إيران؟ أم أنها شكرت قاسم سليماني تحديدًا؟

هل يمكن للقارئ أن يتخيل المشهد في بغداد لو رفضت إيران التدخل؟
هل يمكن تخيّل دخول الجيش البعثي، بقناعه الديني المتشدد، إلى العاصمة، وانهمار الدماء في كل مكان، وهجومه على المدن الشيعية والكردية؟
هل يمكن تخيّل مشهد كمبوديا بعد سقوطها بيد “الخمير الحمر”؟
كان هذا سيحدث حتمًا.

أذكر بعد سقوط الموصل، شاهدت فيديو على يوتيوب لقائد في “داعش” يتحدث باللهجة التكريتية، ويقول لمقاتليه: “إن شاء الله أهنئكم بالفتح في طهران”.
الرجل يتحدث عن مشروع مستقبلي لشن هجوم على إيران، بينما تطالب الحكومتان العراقية والكردية رسميًا وبإصرار بالتدخل الإيراني، في ظل تهديد واضح من “داعش” بشن حرب جديدة على إيران.

هل تدخلت إيران بسبب “مشروع شيعي”؟ هل هذا منطقي؟
الحشد الشعبي شُكّل خصيصًا لمحاربة “داعش”، ثم دُمج ضمن الجيش العراقي بقرار من البرلمان، ويتقاضى أفراده رواتبهم من الحكومة العراقية. وقد نشرت هذه القوات مرارًا وثائق تُثبت علاقات بين القوات الأميركية في العراق و”داعش”، وهو ما يفسّر كراهيتهم الشديدة للأميركيين بسبب لعبهم على الحبلين. سواء كان الحشد مواليًا لإيران لأسباب عقائدية أو غير موالٍ، فهو قوة عراقية رسمية بقرار من البرلمان. وفي أعلى مراتب السلطة العراقية، هناك شخصيات تربطها علاقات وطيدة بإيران، وإن لم يُفصحوا عنها. وهذا ليس غريبًا، فالسيد السيستاني، المرجع الأعلى للشيعة في العراق، إيراني الأصل، ويتحدث العربية بلكنة فارسية، شأنه شأن السيد الخوئي رحمه الله.

العلاقات الإيرانية العراقية تتجاوز التاريخ، وتعود جذورها إلى ما قبل التاريخ. فأول اسم لأعلى قمة جبل في إيران والمنطقة كلها، “دماوند”، يُذكر في التاريخ باسم آشوري: “بيكن”.

هل يعرف القارئ مدى علاقات إيران مع بعض القوى السنية والكردية في العراق؟
هل يعرف مدى العلاقة بين إيران وحزب الاتحاد الوطني الكردي (حزب طالباني)؟
أو علاقاتها مع اتحاد علماء السنة في الجنوب؟

أما الدرس الخامس، فقد تعلّمته من أستاذي أيضًا، وهو أن سبب وجود إيران في سوريا هو تنفيذ مشروع إقليمي.
لكنني لست متحمسًا لتكرار ما هو معروف:
فقد وُقّع اتفاق عسكري بين إيران وسوريا في عهد حافظ الأسد، تعهدت إيران بموجبه بمساندة سوريا في حال تعرضها لعدوان صهيوني أو أي طرف معادٍ، بناءً على طلب رسمي من دمشق.

التفسير الإيراني لأحداث سوريا هو أنها بدأت بحراك شعبي مشروع، استُغل لاحقًا من قبل الأعداء، خاصة الأميركيين والصهاينة، لتنفيذ مشاريعهم لتدمير سوريا.
هذا ما تقوله الحكومة الإيرانية، وتؤمن به من صميم قلبها، وليس مجرد شماعة لتبرير وجودها.

نحن، كشعب يعيش خارج سوريا، نرى أن هذه الدولة، مثل العراق، دولة ذات سيادة، ولها وفد رسمي في الأمم المتحدة، يُمثّلها الرئيس بشار الأسد.
وبموجب القانون الدولي، يجب أن نتعامل مع سوريا عبر حكومتها الشرعية في دمشق، كما لا يحق لهم التدخل في شؤوننا الداخلية.

ربما كانت هناك ثورة في شوارع سوريا، لكن ما تلاها لم يكن ثورة، بل هجوم طائفي قبلي شرس، يتعامل مع رؤوس البشر كما نتعامل نحن مع الكرة في الملعب.

هل يمكن للقارئ أن يتخيل ما كان سيحدث لو سقطت دمشق بيد “المجاهدين”؟
هل سيكون الوضع أفضل مما حدث في درعا، وحلب، والأرياف؟

الواقع أن بيننا وبين الحكومة السورية اتفاق تعاون عسكري، وطلبت دمشق المساعدة رسميًا. ونعلم أن من يُسمّون أنفسهم “مجاهدين سوريين” يقودهم فلول حزب البعث العراقي، وقد هاجموا الموصل انطلاقًا من الأراضي السورية المحتلة.
كما نعلم أنهم توعدوا بشن هجوم على إيران.

فهل ذهبت إيران إلى سوريا لتنفيذ “مشروع شيعي”؟ وهل يمكننا أن نسمي الرؤوس المذبوحة “كفاحًا ثوريًا من أجل الحرية” كما يُروّج الإعلام العربي؟

نرى بأعيننا كيف يرقص العدو الصهيوني فرحًا بما حدث لسوريا، ويتنبأ خبراؤه بما سيحدث للبنان، ثم العراق، ثم إيران، من حروب ودمار شامل. ويتحدثون عن خططهم لاجتثاث أي مقاومة في الهلال الخصيب، وصولًا إلى إيران.

ومع كل هذه التهديدات، هل ذهبت إيران إلى سوريا لبناء “إمبراطورية شيعية بين النصيريين”؟ مع العلم أن نصف المجتمع السوري من أهل السنة، ولنا علاقات وطيدة مع بعضهم.

وماذا نفعل مع المخالفين؟ هل نفجّر قنبلة ذرية بينهم؟ هل نحن أطفال؟ اقتصادنا منهك، عملتنا تتهاوى، والشعب غاضب جدًا، ونقول له: “تفضلوا، بنينا لكم إمبراطورية شيعية ستستمر حروبها إلى نهاية التاريخ”؟!

حتى لو افترضنا أن شعوب العراق وسوريا ولبنان همج يمكن التلاعب بهم، هل من المعقول أن يغامر الشيعي بنفسه وبأسرته في حروب لا نهاية لها؟ وماذا عن السنة؟ هذه الجالية العريقة والكبيرة، هل عددهم قليل في إيران؟
هل تعلمون أن أول من علّم الشعب الإيراني حب أهل البيت كانوا الشوافع من أهل السنة؟ وكثير من علمائنا الذين نفتخر بهم هم من أهل السنة. لو أن شخصًا سبّ السعدي الشيرازي، أحد أعظم شعراء إيران،

خرج أبناء الشعب الإيراني يطالبون بالحرية، وهذا حقهم الطبيعي، فهم أصحاب الأرض، وسادة البلاد. أما من يحكم، من القائد إلى أصغر مسؤول، فهم موظفون لدى الشعب، يتقاضون رواتبهم منه، ويجب عليهم أن يصغوا لصوت الناس ويقولوا بكل احترام: «نعم، سيدي».

خرج الشعب واحتج، وضغط على النظام ليُلبّي مطالبه في قضايا الحجاب، والاقتصاد، وغيرها.
لكن ما حدث لاحقًا كان صادمًا: نزلت قوات كردية من إقليم كردستان العراق، واحتلت مدينة إيرانية تُدعى “إشنوية”، وأنزلت العلم الإيراني، ورفعت علم الإقليم، ثم بحثوا عن موظفين حكوميين وقتلوهم، باعتبارهم “أعوان النظام”.

بل إن مسعود بارزاني نفسه اتصل ببعض العائلات المصابة في المظاهرات المناهضة للنظام في كردستان الإيرانية، ووعدهم بالمساعدة، كما لو كان مسؤولًا يتحدث إلى شعبه.

أيها القارئ الكريم، لا أعلم من أين أنت، لكن تخيّل لو حدث هذا بين حكومتك وحكومة الجوار، كيف سيكون أثره على العلاقات بين البلدين؟

نعم، لدينا مشكلة: هناك من يتحدث باسم البلاد من تلقاء نفسه، وبعضهم من المتشددين، يجلسون في بيوتهم أو في المساجد، ويتكلمون وكأنهم قادة الدولة.
من بينهم ذلك الرجل الذي قال في أحد المساجد: «محور المقاومة يسيطر على أربع عواصم عربية»، ثم فبرك الإعلام البعثي الخبر، وأصبح العنوان: «إيران تحكم أربع عواصم عربية»، وبُثّ الخبر وكأنه حقيقة لا شك فيها.

لكن هذا ليس الواقع.
لكل شعب هويته وكبرياؤه، ولا يمكننا أن نفرض عليه ما نشتهي، ثم نطالبه بالبقاء معنا. لدينا أمثلة تاريخية نضعها نصب أعيننا، منها ما فعله الاتحاد السوفيتي بالأحزاب الشيوعية، حين طالبها بتنفيذ أجندته دون نقاش، فخسرها وخسر مكانته بين الشعوب. لكل جهة—سواء كانت عراقية، سورية، لبنانية، يمنية، أو فلسطينية—مصالحها وأجندتها الخاصة، ويجب علينا أن نحترمها. وهذا ما يفسّر الأحداث الأخيرة في اليمن، وعلى الحدود السورية الأردنية، وغيرها.
طلبنا منهم التعاون، فرفضوا، وفعلوا ما يرونه مناسبًا. لا يوجد مشروع خاص لإيران في دول الجوار، ولا يمكنها أن تفرض مشروعًا على شعوب ذات كرامة ومصالح.
ولو افترضنا وجود مشروع ما، فنحن كشعب إيراني نعيش في بلد واسع، لن نضحّي من أجل مشاريع وهمية ومتطفلة.
بلادنا غنية بالمواهب، يحسدنا عليها الآخرون، ونحن نعيش في مشاكل كثيرة.
فهل نقبل أن يصرف النظام من مواردنا على مشاريع لا طائل منها؟

لا ننسى “ثورة الجياع” في لبنان، التي أطلقها الشيخ صبحي الطفيلي، أول أمين عام لحزب الله. كان أول من أعلن في بيان تنصيب السيد حسن نصرالله أمينًا عامًا للحزب عام 1992، ثم اختلف معه. وحين رأت إيران أن جهودها لرأب الصدع بينهما لا تُثمر، بقيت على الحياد.
الشيخ الطفيلي خالف رفيق الحريري، رغم معرفته بالعلاقات الوطيدة بين إيران والحريري، ثم أعلن ثورة الجياع عام 1997 ضد الحكومة اللبنانية، في تجاهل واضح للسياسات الإيرانية. وفي عام 1998، اشتبك مع الجيش وحزب الله، وانتقد إيران بشدة، ومع ذلك، ظل يرفع صورة الإمام الخميني خلفه، وتحترمه إيران كمحارب قديم، وتمنع أي محاولة للإساءة إليه أو النيل من كرامته.

ليست هناك “مشاريع توسعية”، بل تهديد أمني كبير ومبرمج ضدنا، يُفصح عنه المستعمرون بكل وضوح وصراحة. يتحدثون عن مشاريعهم وكأن إيران لا تملك شعبًا يقف أمامهم كالجبل. يتحدثون عن تقسيم إيران إلى دويلات، وعن حروب داخلية طاحنة تمتد لسنوات، وربما لعصور.

لهذا السبب، نعرف جيدًا أن الصمت—كما حدث في بداية الحرب “المفروضة” علينا في عهد صدام حسين—لن يجلب لنا إلا الكوارث. وإذا تركنا الأمور على حالها، سينفذون مشاريعهم علينا وعلى حلفائنا.
وهذا هو سبب وجود التنظيمات والتعقيدات العسكرية والأمنية الإيرانية التي أشار إليها الكاتب المحترم في مقالاته.

وطريقتنا في الحرب ليست جديدة.
كلمة “بارتيزان” تعني “الفرثيين” (البارتيين)، وهم من الإيرانيين القدماء الذين عاشوا قبل أكثر من ألفي سنة، وكانت لهم طريقة خاصة في القتال، لا تزال تُستخدم حتى اليوم، بعد أن طوّرناها وأضافنا إليها أساليب جديدة.

وأقولها بصدق:
إذا خرج المستعمرون الجدد من العراق وسوريا، وتركوا شعوب المنطقة وشأنهم، سترون أن القوات الإيرانية، بما فيها المستشارون، سيعودون إلى قواعدهم. وحتى الآن، يمكن للحكومة السورية أن تطلب من إيران مغادرة أراضيها، وستلبّي إيران الطلب دون أي احتجاج.

بعدها، سيخرج التجار وأصحاب الصناعات وغيرهم من الباحثين عن فرص العمل، متجهين نحو الاستثمار في دول الجوار والمنطقة.

هذا هو ما نطمح إليه: أن نعيش بأمان، دون مزايدات من الاستعمار الجديد وأذنابه.

وسلامٌ عليكم ورحمة الله.

مع فائق الاحترام،
من مدينة القباب الزرقاء، إصفهان
حيدر سهیلي الإصفهاني



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *