حيدر سهیلي الإصفهاني

ربما صادفك في شبكات التواصل الاجتماعي منشور يحمل عنوان: “ذكرى تسمية إيران”. وليس فقط من قبل أعداء إيران، بل أحيانًا يُعاد نشر هذه المواد من قبل أصدقاء نعدّهم من المثقفين وحاملي الشهادات الجامعية. وقد قامت وكالة أنباء “إيسنا” وصحف بارزة مثل “همشهري” بنقل هذا الخبر، مما يكشف عن الأزمة التي تواجهها الصحافة في البلاد. فعندما تقرأ محتواهم، تصاب بالحيرة، إذ إنه مليء بالتناقضات.

وفقًا لهذه المنشورات أو المقالات المزعومة، ففي 27 دیسمبر 1934، وبحسب بيان صادر عن حكومة ذلك الوقت في عهد الملك رضا شاه بهلوي، تم تغيير اسم البلاد من “فارس” أو “برس” إلى “إيران”.

من المؤكد أن الإنسان المتعلم يدرك جيدًا أن أي حكومة، مهما بلغت من الاستبداد، لا يمكنها أن تغيّر اسم بلدها بمجرد إصدار بيان أو تعميم من وزارة خارجيتها. حتى لو أراد هتلر أو صدام حسين تغيير اسم بلديهما، لكان من الضروري المرور بمراحل تشمل إقرار مشروع القانون في الحكومة، ثم إرساله إلى البرلمان، وغالبًا إعلان استفتاء عام، حتى وإن تم كل ذلك شكليًا وصوريًا. فلابد من صدور قانون يُقرّ ويُوقّع رسميًا.

الأمر يشبه حتى من يريد اغتصاب منزل، إذ عليه أولًا أن ينقل سند الملكية. وإلا فإن التنازل أو تغيير الاسم شفهيًا بناءً على بيان لا يحمل أي قيمة قانونية.

فما القصة؟
القصة هي أن الأستاذ سعيد نفيسي، في 27 دیسمبر 1934، كتب مقالًا أشار فيه إلى أن الأوروبيين والدول الأجنبية عمومًا يسمحون لأنفسهم بأن يلفظوا اسم بلادنا كما يحلو لهم، فيسمونها “بارس”، أو “برشيا”، أو “برزيا”، أو “بلاد الفرس”، وما إلى ذلك، وهذا الأمر لا يليق ببلد مثل إيران. لذلك، اقترح على حكومة إيران آنذاك أن تصدر بيانًا تطلب فيه من جميع الدول أن تسمّي بلادنا من الآن فصاعدًا بالاسم الرسمي المذكور في الدوستور المشروط لعام 1906(5 أغسطس)، أي “إيران”، وألا تُقبل بعد ذلك أي مراسلات تحمل أسماء مزيفة أو مختلقة.

قبل ذلك، كانت كل سفارة أو حكومة أجنبية تكتب اسم بلادنا في مراسلاتها الرسمية مع الحكومة الإيرانية بالطريقة التي ترغب بها أو كما تلفظه. وهذه الصفة المذمومة كانت شائعة خصوصًا بين الغربيين، الذين يستخدمون أسماء المدن والبلدان والأسماء الجغرافية عمومًا كما وردت في مصادرهم التاريخية، لا سيما اللاتينية منها. على سبيل المثال، يسمّون طرابلس، عاصمة ليبيا وإحدى مدن لبنان، “تريپولي”، ويسمّون مدينة صور “تير” كما فعل الرومان، وهناك أمثلة عديدة أخرى من هذا القبيل.

تم قبول اقتراح الأستاذ نفيسي، وأصدرت وزارة الخارجية في إيران الملكية بيانًا رسميًا أبلغت فيه جميع السفارات بهذا القرار. ولهذا السبب، تم حذف جميع الأسماء المزيفة والمختلقة، واضطرت الدول إلى التعود على الاسم الرسمي، وإلا فستُعاد الرسائل المرسلة بأسماء مختلقة.

هذه المبادرة من سعيد نفيسي جديرة بالثناء، لأننا نرى اليوم أن دولًا مثل تركيا والمغرب، التي أهملت هذا الأمر، تبذل جهودًا متأخرة للقيام بنفس الخطوة، لكنها تفشل تمامًا. ففي اللغة الإنجليزية، يُطلق على تركيا اسم “Turkey”، وهو نفس اسم طائر الديك الرومي في تلك اللغة، ويُستخدم هذا التشابه لتوجيه العديد من الإهانات إلى تركيا بأشكال مختلفة. والطريف هنا أن أحد الأسئلة المطروحة على غوغل هو: “?Is Turkey now Turkiye” أي “هل أصبحت تركيا الآن تُركيه؟”، بمعنى أن وزارة الخارجية التركية طلبت من الدول أن تكتب وتلفظ اسم بلادها من الآن فصاعدًا بشكل صحيح “Türkiye”، أي “تركيا”، وبالتالي فإن اسم تركيا قد تغيّر.

أما المغرب، فقد بذل جهدًا كبيرًا لإقناع الأوروبيين وغيرهم باسم بلاده القديم، لكن حتى نحن، الذين وصلتنا عدة مرات تعاميم من سفارة المغرب في طهران، لم نُعر طلبهم اهتمامًا، وما زلنا نسمّي بلد المغرب “مراكش”.

متى أصبح اسم إيران رسميًا؟ ولماذا لم تُعلن الحكومات الإيرانية السابقة هذا الاسم رسميًا قبل ذلك التاريخ؟
اسم الأرض التي نعيش فيها هو “إيران”، على الأقل منذ العصر الساساني، وهذا الاسم كان موجودًا دائمًا. يكفي أن نراجع “شاهنامه” لفردوسي، أو “الممالك والمسالك” لابن خرداذبه، أو “أخبار الطوال” للدينوري (في بداية هذا الكتاب الذي كُتب في القرن الثالث، ورد: “العجم يسمّون أرضهم من الفرات إلى ما وراء النهر، إيران”)، حتى يتضح هذا الأمر. لكن القضية ليست متى أُطلق اسم إيران على هذه الأرض، بل إن القضية هي أنه قبل مجيء الأوروبيين، لم يكن لاسم الأرض أهمية في تسمية الوحدات السياسية. أي أن اسم الوحدة السياسية كان يُطلق بناءً على اسم القبيلة الحاكمة، لا اسم الأرض التي تُحكم. خصوصًا أن في ذلك الزمان، كانت عدة قبائل تحكم أرضًا واحدة، ولم تكن ترغب في استفزاز أو إيذاء القبائل المجاورة بادعاء الحكم على كامل الأرض.

حتى اليوم، تُعرف قطعة الأرض التي تُسمى شبه الجزيرة العربية، أو كما يسميها العرب “الجزيرة العربية”، باسم الوحدة السياسية “المملكة العربية السعودية”، وهو اسم عشيرة آل سعود. أو حتى قبل بضعة عقود، كان اسم إمبراطورية كبيرة هو “العثمانية”، وهو اسم العشيرة الحاكمة.

كان الأوروبيون هم من أطلقوا اسم الأرض على الوحدة السياسية، بناءً على مبدأ الدولة-الأمة، وانتشر هذا الاستخدام. علاوة على ذلك، قبل ذلك، كانت قطعة الأرض تحت حكم عدة قبائل مستقلة، أو كانت تصر على أن تحترم القبيلة الحاكمة سيادتها على الأراضي التابعة لها. وبهذا الشكل، رغم أن اسم الأرض كان “إيران”، إلا أن في شمالها الشرقي كانت تحكمها السامانيون، وفي وسطها آل بويه، وفي نقطة أخرى الغزنويون، وهكذا، كان اسم الأرض “إيران”، لكن اسم الوحدة السياسية كان مثلًا “آل بويه”.

بدأ الإيرانيون يأخذون هذا الأمر بجدية منذ العصر الصفوي، حيث تعلموا أن يطلقوا اسم الأرض على وحدتهم السياسية، لأنهم كانوا بحاجة إلى ذكر اسم بلادهم في معاهداتهم مع الروس والإنجليز والفرنسيين وغيرهم.

ورغم أن ذكر اسم الأرض كان شائعًا في الكتابات القديمة، خصوصًا في وصف الملك، إلا أنه لم يكن يحمل طابعًا قانونيًا واعيًا. مثلًا، في رسالة السلطان مراد إلى الشاه عباس، وصف السلطان الصفوي هكذا: “أيها الملك الذي يُلجأ إليه في ملك إيران” (ای به شاهی ملک ایران را پناه).

من العصر الصفوي فصاعدًا، توجد معاهدات يُستخدم فيها اسم إيران، وكذلك رسائل متبادلة بين الملوك يُذكر فيها اسم إيران كوحدة سياسية.

في رسالة الشاه طهماسب الصفوي إلى السلطان سليمان، ملك الدولة العثمانية، اعتبر طموح السلطان العثماني لاحتلال إيران “التي هي أفضل بقاع الأرض وعلامة على الجنة العليا” نتيجة لوسوسة الشياطين التي “استقرت في دماغه (أي عقله)”.

وفي رسالة موجهة إلى نادر شاه، يُذكر فيه بأنه ملك إيران، وفي رسالة نادر شاه إلى السلطان محمود العثماني، يُؤكد أن أسباب النزاع بين إيران والروم (ويقصد بها تركيا الحالية) في عهد الشاه إسماعيل الصفوي لم تكن دينية، وأن الإيرانيين قد تركوا بيعة الصفويين، وفي النهاية يُطلب تعيين أمير لقافلة الحجاج الإيرانيين، حتى يتمكن الحاج الإيراني من أداء الحج بحرية ودون مضايقة.

أما رسمية استخدام اسم الأرض كوحدة سياسية في إيران، فقد تحققت بالكامل في عهد القاجاريين. ورغم أن هذه الرسمية لم تكن مصحوبة بأخبار سارة للشعب الإيراني، إلا أنها تجلت تمامًا في وثيقتين تُعدّان من وجهة نظر الشعب الإيراني وصمة عار؛
أولًا: معاهدة گلستان، التي ورد فيها اسم إيران مرارًا،
وثانيًا: معاهدة تركمان‌چای، التي، مثل گلستان، نرى فيها اسم إيران بدلًا من اسم أسرة القاجار، مما يدل على رسمية اسم إيران كوحدة سياسية.
حتى أواخر عهد القاجاريين، كان اسم إيران هو الاسم الرئيسي والرسمي للبلاد، ومن الواضح أن استخدام اسم القبيلة كوحدة سياسية قد اندثر تمامًا.

لذلك، نرى في العديد من المعاهدات أن الطرف المتعاقد يُشار إليه باسم إيران. في حين أن إنجلترا وبعض الدول الأوروبية كانت لا تزال تشير إلى البلاد باسم “بلاد الملكة” أو “بلاد الملك”، ولم يكن يُذكر اسم الدولة وحده.

بلغ هذا المسار ذروته في وثيقة الدستور المشروط لعام 1906، حيث لم يُعلن اسم إيران رسميًا كاسم الأرض والوحدة السياسية فحسب، بل أُعلن أيضًا أن حقوق أفراد الشعب الإيراني متساوية أمام الدولة، وهو ما أثار غضب محمد علي شاه القاجاري.
ومع ذلك، اضطر في النهاية إلى قبول ذلك، وبهذا الشكل، حلّ اسم “الشعب الإيراني” محل اسم “الملك”.

بهذا التوضيح، يتضح إلى أي مدى تكون الكتابات التي تعتبر يوم السادس من 1934يوم تسمية البلاد باسم إيران، سطحية وناجمة عن جهل مطلق من كُتّابها.

إن يوم 27 دیسمبر 1934، هو يوم صدور بيان وزارة الخارجية الإيرانية بمنع قبول المراسلات التي تحمل اسمًا غير “إيران” عند الإشارة إلى البلاد، وتأكيدًا للدول الأخرى التي تستخدم اسمًا غير “إيران”، وهو بلا شك إجراء جدير بالثناء والحكمة، وكان المرحوم الأستاذ نفيسي رائدًا فيه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *