بقلم: ريبيكا فلود | محررة شؤون الحياة والاتجاهات | نيوزويك
أثارت صورة جوية لطائرات متراكمة في مطار إيراني موجة من الذهول على الإنترنت، في وقت تواصل فيه صناعة الطيران الإيرانية المنهكة محاولاتها للبقاء وسط القيود المفروضة عليها.
الصورة التي التُقطت لمطار مهرآباد الدولي في طهران، ونُشرت على موقع Reddit بواسطة المستخدم ERMIYA-BAHRAMI، جذبت اهتمامًا واسعًا منذ الشهر الماضي. وقد رُفعت إلى منتدى “Interesting As F***”، وحصلت على أكثر من 10,000 إعجاب، وسط تكهنات بأن الصورة قد تكون معدّلة.
الصورة مأخوذة من خرائط Google لعام 2022، بواسطة شركة Maxar Technologies، وتُظهر ما لا يقل عن 20 طائرة بأحجام مختلفة مصطفة في المطار الدولي.
علق أحد مستخدمي Reddit، Upbeat_Giraffe8364، متسائلًا بدهشة:
“لا يمكن أن يكون هذا مطارًا نشطًا… أليس كذلك؟”
الصورة تكشف الواقع القاسي الذي تواجهه أسطول إيران المتقادم، حيث توقفت العديد من الطائرات عن العمل بسبب مشاكل تقنية. وقد اشتهرت إيران منذ سنوات بتفكيك طائراتها للحصول على قطع غيار، في ظل العقوبات التي تمنعها من شراء طائرات أو قطع جديدة.
أشار مستخدم آخر، AntiheroZer0، إلى تفاصيل دقيقة:
“أنظر حول المبنى ذي السقف الأزرق، سترى المحركات ملقاة على الأرض.”
وأضاف Houdinii1984:
“ملاحظة سريعة، الطائرة في أقصى اليسار، في منتصف الصورة، تفتقد أجزاء من جناحيها، مما يدعم تفسير تفكيكها لأجزاء.”
وعلّق Scrotius_Minimus:
“انظر عن كثب إلى طائرة 747، ستلاحظ أن غطاء المحرك مفتوح، ربما أُزيل المحرك، إذ غالبًا ما تكون المحركات أول ما يُفكك للحصول على قطع.”
وأضاف Sofarbeyondfucked:
“تحليل ممتاز. هذه الطائرات تُسمى ‘Cann Birds’، أي طائرات تم تفكيكها لتوفير قطع غيار لطائرات أخرى.”
الطيار السابق في شركة إيران للطيران، روس آيمر، الذي عمل بين عامي 1969 و1978، بما في ذلك رحلات من وإلى مهرآباد، أوضح أن جميع الطائرات في الصورة هي طائرات مدنية، من طراز بوينغ، إيرباص، وبعض الطائرات الروسية.
وقال آيمر، وهو طيار متقاعد من United Airlines، لمجلة نيوزويك:
“في تلك الصورة، الطائرات بلا محركات، بلا قطع، لذا من المرجح أنهم فككوا أيضًا الطائرات الروسية القديمة.”
وأضاف:
“من الواضح أنها جميعًا خردة الآن، مثل ساحة نفايات أو مقبرة طائرات، نحن نسميها ‘Boneyards’.”
وأوضح أن عملية “تفكيك الطائرات” في عالم الطيران تعني استخدام أجزاء من طائرة غير صالحة للطيران لجعل أخرى صالحة، مثل نظام الطيار الآلي أو المحرك.
“على سبيل المثال، للمحركات عمر محدد، وبعده يجب تفكيكها وإرسالها لإعادة التصنيع. بعض أجزاء المحرك متخصصة للغاية، ومن المحتمل أن إيران لا تستطيع تصنيعها.”
“لذا، إذا كانت إحدى الطائرات في الصورة تحتوي على محرك يمكن استخدامه لفترة أطول، فإنهم ببساطة يزيلونه ويضعونه في طائرة أخرى يُخططون لتشغيلها.”
“وهذا يُسمى ‘Cannibalism’، لأنك حرفيًا تسرق جزءًا من طائرة لتشغيل أخرى.”
“لقد تمكنوا من الحصول على بعض القطع من السوق السوداء، وبعضها صنعوه بأنفسهم، لكن ما لم يستطيعوا تصنيعه، قاموا بتفكيكه من طائرات أخرى.”
“لقد استخرجوا منها ما يكفي، والآن لم تعد صالحة لأي استخدام، مجرد كومة خردة، وفي النهاية تُحوّل إلى علب مشروبات.”
وأشار آيمر إلى إحدى الطائرات بأنها من طراز 747-200، القادرة على حمل المئات، موضحًا:
“لم تعد الكثير من شركات الطيران تستخدمها، ولم يعد الكثير من الناس يسافرون بها.”
ويُظهر هذا مدى تقادم الأسطول الإيراني؛ إذ أن طائرة بوينغ 707 قامت بأول رحلة لها عام 1957، وآخر رحلة مجدولة لها في الولايات المتحدة كانت عام 1983، وفقًا لموسوعة Britannica.
لكن بعد أن قامت شركات الطيران الغربية بتحديث أساطيلها، استمرت شركة Saha Airlines الإيرانية في تشغيل طائرات 707 للرحلات المدنية حتى عام 2013، قبل أن تُستخدم لاحقًا لنقل الشحنات العسكرية.
وفي عام 2019، تحطمت إحدى طائرات 707 في مطار فتح بإيران، مما أسفر عن مقتل 15 من أصل 16 شخصًا كانوا على متنها.
رغم العقوبات: إيران تُبقي طائراتها في الخدمة عبر “تفكيكها ذاتيًا“
قال روس آيمر، الرئيس التنفيذي لشركة Aero Consulting Experts ومقرها كاليفورنيا، إن تفكيك الطائرات للحصول على قطع غيار يُعد “آمنًا إلى حد معين”.
“لا يمكنك الاستمرار في ذلك إلى الأبد، ففي مرحلة ما عليك أن تتوقف. ومع ذلك، تمكنت إيران من الاستمرار، رغم توقعات الجميع بأنها لن تستطيع مواصلة التشغيل كما كانت، وذلك لمدة تقارب الأربعين عامًا، وتحت عقوبات شاملة، وهو أمر مذهل إذا فكرت فيه”، أضاف آيمر.
تملك إيران تاريخًا طويلًا في الحفاظ على صلاحية طائراتها للطيران رغم القيود، رغم أن معظمها تم شراؤه في عهد الشاه. وبالعودة إلى عام 2013، أفادت وكالة رويترز أن طائرات أخرى كانت تُفكك للحفاظ على تشغيل ما تبقى منها.
“لسنوات، تم الحفاظ على هذه الطائرات في الخدمة من خلال قطع غيار مستوردة من السوق السوداء، أو مأخوذة من طائرات أخرى، أو مصنّعة محليًا”، بحسب مصادر في قطاع الطيران.
وفي حديثه لمجلة نيوزويك، قال حسين جهاني، المدير العام للعلاقات العامة في شركة الخطوط الجوية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، إن عدد الطائرات العاملة حاليًا “يعتمد على عوامل متعددة”، مثل الفحص الفني، ولذلك لم يتمكن من تقديم “رقم دقيق”.
وقد اضطرت إيران إلى اللجوء لتفكيك الطائرات، وغيرها من التدابير، للحفاظ على قدرتها على تشغيل الأسطول الجوي وسط عقوبات قاسية استمرت لأربعة عقود.
بدأ فرض العقوبات في عام 1979، عقب أزمة احتجاز الرهائن في السفارة الأميركية بطهران، بعد الإطاحة بالشاه خلال الثورة الإيرانية. واستمرت العقوبات بشكل واسع حتى عام 2015، حين وقّعت عدة دول، من بينها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، على خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، المعروفة باسم الاتفاق النووي، والتي أدت إلى تخفيف كبير في العقوبات الأميركية والأممية والأوروبية مقابل تقليص إيران لبرنامجها النووي.
لكن إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب انسحبت من الاتفاق في مايو 2018، وأعادت فرض العقوبات.
وقد سمح التخفيف المؤقت للعقوبات لإيران بشراء واستئجار طائرات وقطع غيار، حيث طلبت البلاد مئات الطائرات الجديدة، ووقّعت صفقات بمليارات الدولارات مع شركات Boeing وAirbus وATR، لكن لم يصل منها سوى عدد محدود.
وفي حديثه لنيوزويك، أضاف جهاني:
“خلال مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة، تم بيع 13 طائرة ATR لنا، لكن رغم الالتزامات الواردة في العقد، لم يتم تزويدنا بقطع الغيار لهذا الطراز، وقد أخفق الطرف الآخر في تنفيذ التزاماته.”
موجز للمقال:
🛫 قطاع الطيران الإيراني بعد بايدن وعودة ترامب: الدبلوماسية كغطاء للهجوم
في أعقاب نشر المقال عام 2022، بدت إدارة بايدن وكأنها تسعى لإحياء الاتفاق النووي مع إيران، عبر خطوات مثل إعادة بعض الإعفاءات من العقوبات. لكن ما تكشّف لاحقًا، بحسب تقارير وتحليلات أميركية، هو أن المفاوضات التي جرت قبل شهور من الهجوم لم تكن جادة في جوهرها، بل كانت تهدف إلى إبطاء استعدادات إيران الدفاعية، وخلق وهم دبلوماسي يسبق التصعيد العسكري.
🎭 المفاوضات الأخيرة: تهدئة تكتيكية قبل الهجوم
- المفاوضات التي جرت في النصف الثاني من عام 2024، تزامنت مع تحركات استخباراتية وعسكرية أميركية وإسرائيلية في المنطقة.
- الصحف الأميركية كشفت أن هذه المفاوضات كانت تهدف إلى منع إيران من رفع جاهزيتها الدفاعية، بينما كانت واشنطن وتل أبيب تستعدان لشن ضربات مركزة على منشآت إيرانية.
🔁 عودة ترامب: إعلان الهجوم المفتوح
- في فبراير 2025، وقّع ترامب أمرًا تنفيذيًا لإعادة سياسة “الضغط الأقصى”، مستهدفًا شبكات النفط والطيران والصناعات الدفاعية الإيرانية.
- العقوبات الجديدة شملت شركات وأفرادًا في الصين، الإمارات، والهند، متهمين بتوريد مكونات للطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية.
✈️ شلل شبه كامل في قطاع الطيران
- استمرار الحظر على استيراد الطائرات وقطع الغيار جعل شركات مثل “إيران إير” تعتمد على أساطيل قديمة، مع تدهور في السلامة والخدمة.
- العقوبات شملت حتى شركات الخدمات الأرضية والمزودين الدوليين، مما زاد من عزلة القطاع الإيراني جويًا.
